أيتساوى في العمل السياسي العربي اليوم ذاك الذي حكم لعقود حتى أنهكه الدهر بالآخر المشوه، الوارث له؟.. أجل يتساويان مثل غيرهما من البشر في التمتع بالسلطة من حيث هي مرض أحياناً، وشهوة للانتقام، ومسؤولية واختيار واعٍ، لكنهم يسقطون في دروب الحياة تاركين المكان لغيرهم، وراحل عنهم الزمان غير آسف عليهم.
إنهم يسقطون كأوراق الخريف الذابلة، صحيح قد يكسبون ماضي ما قبل الحكم إن حسنت أفعالهم فيه، ولكنهم يخسرون الحاضر والمستقبل مهما قدموا من خير، لصعوبة تعميمه على شعوبهم، وفي النهاية يقضي على آثارهم النسيان الجماعي، ما يشكل عبئاً على من يأتون بعدهم، وتجري السنوات سريعة، مصحوبة بنهايات ـ مأساوية أحياناً ـ هي بلا ريب عامة.. عندها يدركون أن محصلة الحكم تنازع مقيت، أو تسليم بحسابات، أو قبول غير طوعي تتحكم فيه قوة المال أحياناً، والقوة العسكرية والأمنية في أحايين كثيرة، وينطبق عليهم بيت شعري لعمر الخيام، يقول فيه:
فقد تساوى في الثرى راحل غداً وماضٍ من ألوف السنين
المساواة في النهايات لكثير من الحكام العرب وكذلك هي الحال بالنسبة لشعوبهم تشي بأن الذهنية واحدة وإن اختلفت البيئات، وهي نتاج طبيعي لمجتمعاتنا العربية الغارقة في تبريرات الأفعال حتى لو كانت إجرامية، حيث التصنيف والفرز يتخذان من الشيطنة والملائكية مدخلاً للتشهير والتشويه، وتبلغان الذروة حين تحل الفتن، ويسكن الجميع ـ حكاماً ومحكومين ـ دار البوار، سواء باستعمال العنف المشروع من الحكومات، والذي يتحول في الغالب إلى قمع استعماري على النحو الذي نراه اليوم في العراق، أو عند رد الفعل من خلال إرهاب قاتل ومدمر، لم يستفد أصحابه من توظيف الميراث الديني، ولا من إيجابيات عصرهم، وأهمها الحديث الواسع عن حقوق الإنسان، والتطبيق المحدود لها.
نكرر أخطاءنا ونتبع أساليب عفا عليها الزمن لتغيير أنظمة الحكم من جهة، وتطويع الشعوب لقناعات صحيحة أو واهية من جهة ثانية، وسباقنا الدموي لتحقيق الديمقراطية لا جدوى منه، لسببين، أولهما: أن ميراثنا السياسي غير ديمقراطي، وهو في حالات كثيرة أرقى من الديمقراطية التنظيرية عند فلاسفة اليونان، بل وأرقى أيضاً من التجارب الغربية الراهنة في توزيع السلطة، وثانيهما: أن التجربة الغربية باختلافها وتنوعها تدخل مرحلة جديدة هي «ما بعد الديمقراطية»، فإن ورثنا تلك التجربة لن نفلح لأننا لا ننتمي إليها معرفياً وعملياً، وإن سارعنا إلى التعلق بجديد الغرب سياسياً.. فإنه سيرهقنا صعوداً.