بعد انتخاب رجل الأعمال «عبدالحميد الدبيبة» رئيساً للحكومة الانتقالية الليبية، حدث أمران، أرى أنهما في غاية الأهمية، الأول: تغير الخطاب السياسي الداخلي على مستوى مفرداته، واتّجه ـ بشكل أولي قد لا يستمر ـ نحو الابتعاد عن العنف، والاقتراب من السلام، في محاولة جادَّة وواعدة، بإحلال السلم الاجتماعي عبر حوار وطني آخذ في التشكل.
وعلى خلفيَّة ذلك يمكن القول: إن ليبيا تسير من خلال حكومتها الانتقالية الراهنة في طريق، قد ينتهي بها ـ رغم عُسْره ومشقَّته ـ إلى إزالة التوتر الواسع على مستوى العلاقات الاجتماعية، ذلك التوتر الذي نتج من تَدَافع نحو تحقيق مصالح «مناطقية» تحرك أهلها عبر زحف هو أقرب إلى الصراع القبلي، ما يُشكِّك في الشعارات المرفوعة، والادعاءات المتداولة من أن أسباب الصراع والاقتتال تعود إلى «مظلوميَّة جغرافيَّة قديمة»، أو لطرح قيْمي مؤسس على البعد الديني.
وبذلك يُعوّل على الفعل السياسي للحكومة الحالية، من إنهاء، أو على الأقل تقليل، اللجوء إلى السلاح، ما سيفَنِّد التفكير في الحل العسكري، أو بالأحرى عَسْكَرة الحياة المدنية، لتحقيق مكاسب تحركها «المناطقية» سواء عن طريق جيش الدولة أو من يُمثِّله، أو عن طريق الإرهابيين، أو حتى من المرتزقة المَدْعُومِين من قوى دولية ذات المصالح الظَّاهرة والخفيَّة، وإذا تحقَّق هذا فبالتأكيد سيتقلَّص استخدام العنف المُبرَّر، وسيصبح وسيلة شرعيّة عند الدولة فقط، وهذا سيتحقق في نهاية المطاف عبر الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري.
الأمر الثاني: الحضور المؤسس للدولة الليبية في علاقاتها الدولية، وهذا يُمثل علامة دالَّة على وعي سياسي بوعود تغيير منتظر، فتحركات الدبيبة، والتي ظهرت تجلياتها على أكثر من صعيد، علينا تثمينها على المستوى العربي ودعمها، لأنها تحرُّك دولة، وليست حركة ـ مرفوضة أو مقبولة ـ من جماعة أو حزب أو فريق، ولندرك أهمية هذا الحضور أكثر فعلينا التبصُّر في مواقف الدول المجاورة لـ(ليبيا)، وسعيها لإقامة علاقة معها، وقد كانت إلى وقت قريب تتجنَّبها إما خوفاً من عدوى الإرهاب، أو لعدم حصولها على مواقفة من الدول الكبرى، أو لاعتقاد بعض منها بانتهاء «ليبيا الدولة».
كما أنه علينا متابعة مواقف الدول الأجنبية التي لها مصالح مباشرة هناك، أو حتى الدول التي تسعى لإيجاد مدخل لشراكة مستقبلية معها. لقد تغيرت تماماً على ما كانت عليه، حيث ينظر إليها اليوم من زاوية مصالح السلم، وليس جانب مخاوف الحرب والإرهاب، وهذا كله يعني أن ليبيا تتحرك وتتغير إلى الأفضل.