حديث الأمة.. والضعيف المنتصر

الأربعاء 26 مايو 2021 11:41 ص

بدت في حديثها أقرب إلى نفسها منها إلى الآخرين.. لم تخفها نذر الشؤم والشر المتراكمة عبر قرارات وعيد، من أنها إن استمرت على موقفها فستدفع ثمن ذلك بنقص من أطرافها، أو بقطع للماء عنها أولاً، ثم منع الهواء عنها ثانياً.

وأمام ضغوط متواصلة منذ عقود، اهتدت إلى أن السبيل للخروج مما هي فيه، هو تحريك بعض منها لاستنهاض همة الكل ذات يوم، فاكتشفت ـ بعد أن أُرْهِقت بما حملت ـ أن ضعفها وهوانها وتخاذلها واستسلامها آتٍ من الجزء الأقوى فيها، وليس من الكل الأضعف، كونه يعتقد أنه الأعزّ بضعفه وضعفها أمام الأذل الأكثر، الباحث عن مكان في الأرض ـ رغم مساحته الممتدة ـ يكون ملاذاً آمناً للأنفس أمام تقلبات الزمان.

تلك حال أمتنا اليوم، ونحن نلهث وراءها في مجال الكتابة باحثين عن كلمات تغطي عورات أفعالنا، خاصة أفعال نسبة كبيرة من ساستنا، أولئك الذين يروِّجون للهزائم باعتبارها نصراً ضمن خطاب ـ يتعذر اليوم توصيفه أو تصنيفه ـ لا ندري إن كان هو ابن العصر، أو يعود إلى البدايات الأولى في الارتقاء البشري، وتطور اللغات، وانتقالها من الرمز إلى التعبير الشفاهي، إلى الكتابة، ثمّ إلى تحديد منظومة القيم.

هنا نتوقف مُصْغين إلى صوت داخل ذواتنا ليس مُدوياً ولا عالياً ولا بادياً بصيغة همس، إنما يتردد سمعاً وبصيرة لدى أولئك الذين اختاروا أن يكونوا على مقربة من الحضور في التاريخ، في الزمن، سَاعِين إلى أبديّة مؤمنين بها، ويرون كل يوم تجلياتها في الموت والقتل رأي العين، وهم في ذلك يشتركون مع الذين اختاروا أن تكون دنياهم هي الأفضل، فصاروا راضين بزخرفها من منطلق أنها علو، وقد يكون ذلك مبلغهم من العلم، مع أن اسمها دال عنها.

ليس هناك من حرج على الذين اختاروا حياتهم على النحو الذي ابتغوه، بما في ذلك الاستسلام الكامل، لكن الخلاف معهم ـ من منبعه إلى مصبّه ـ حول تعميم قناعتهم على الآخرين، وإجبار الشعوب عليها، وبالتي دفع الأمة كلها نحو نهايات معروفة مُسبَقاً، وهم في ذلك لا يقبلون اللوم أو العتاب، أو حتى السؤال الدائم: إلى أين ستأخذوننا في المرة المقبلة من جولات الصراع معكم، ومع الأعداء، ومع شياطين الجن والإنس في المراحل المقبلة؟

ما من إجابة، لأن الأمة في حديثها ـ جدّاً وهزلاً ـ وفي فعلها ـ صلاحاً وطلاحاً ـ هي أسيرة رؤية وسفه وهلْوسة الضعيف المنتصر علينا.

التعليقات