يعود الحديث مُجدَّداً عن الوضع السوري في الدراسات والأبحاث والتقارير الإخبارية ضمن خطاب سياسي دولي يتزامن مع التغيرات الجارية في المواقف الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن.
والحديث عن سوريا الراهنة، وبغض النظر عن وصف ما يحدث فيها إن كان حرباً أهلية، أو ثورة، أو أزمة، أو كل ذلك، فإنها في واقع الأمر، تشهد حرباً أهلية وإقليمية ودولية، لم تضع أوزارها بعد.. انطلقت منذ 15 مارس 2011، لو واجهتها أي دولة مهما أوتيَت من قوة لكان مصيرها شبيهاً بسوريا اليوم.
وانطلاقاً من آلام وأوجاع السنوات العشر العجاف، على السوريين أينما كانوا ـ داخل بلادهم أو خارجها - أن يدركوا معنى فقدان الدولة، لأن حدوثه ـ وقد عايشوه ـ يعني فقدان المكان والأمان، ثم فقدان الأحبة والنفس والزمان، وبالتأكيد هم اليوم يعيدون اكتشاف علاقتهم بالآخرين، خاصة العرب، أو من بقي منهم إخوة يحسون بوجعهم، أو يأخذهم الحنين إلى عزة السوريين ودورهم الحضاري.
مهما يكن، فإن الدولة السوريّة تصنع الحدث، سلباً أو إيجاباً، والحديث اليوم عن سيادتها من الغرب، الهدف منه تبليغ العرب - جميعهم - رسالة مفادها: «لقد انتهت سوريا وستخلو لأعدائنا وجوه دولكم الأخرى، تعاوناً مكرهاً أو حرب فتنة وفناء»، مع أن سوريا ينطبق عليها ما قال الراحل عبدالسلام بلعيد - رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق - حين سُئل عن الإرهاب في الجزائر: «لقد انفجر عندنا وانتهى الأمر، وعلى الذين لم يطلهم بعد انتظار دورهم».
الحديث عن سيادة سوريا يقودنا إلى ما كتب «فابريس بالونش» ـ أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون ـ 2، في تقرير نشره معهد واشنطن بتاريخ العاشر من فبراير الجاري، جاء فيه: «إن النظام السوري استسلم للوجود الأجنبي على أراضيه، الذي يبدو أنه سيكون دائماً، وذلك بعدما تنازل عن السيطرة على حدوده ومجاله الجوي إلى جهات مختلفة.. وأنه رغم الاحتمالات الدولية للتقسيم، فإن القوى الخارجية تتقاسم البلاد بشكل غير رسمي عبر مناطق نفوذ متعددة والسيطرة من جانب واحد على معظم حدودها، وبالتالي حرمان النظام السوري من أداة رئيسية للسيادة».
ذاك ما يبغي الآخرون.. إنه بلا ريب واقع، لكنه ليس حقيقة، فالسيادة السورية جزء من حالة عامة للدول العربية، فقط مصيبة سوريا ظاهرة، وفي طريقها إلى الحل مهما كانت الكلفة، ومصائب كثير من العرب مستترة، وقد آن زمان ظهورها.. إنها وضع جديد للعرب، يمكن أن نسميه مرحلة «ما بعد سوريا».