في الخامس من شهر أغسطس الجاري، تحلُّ الذكرى السنوية الأولى لوفاة والدي «عمر» رحمه الله، وبين حسرة التّذكُّر حين أصبح وأمسي ونعمة النّسيان، قضيت العام مثلما يعيشه كل من فقدوا أحبَّتهم في كل بقاع الدنيا، ولا شك أن جائحة كورونا قد زادتنا حُزْناً، خاصة أولئك الذين لم يتكمنوا من توديع موتاهم في هذا الظرف الصعب.
الحديث عن والدي هنا لن يكون وصْفاً لما قام به من تكريس مبادئ سامية داخلي، أسعدتني في بداية الشباب وأرَّهَقَتْني حين تقدم بي العمر، مبادئ من رجل طُبع في قلبه حب الجزائر وثورتها، تماماً مثلما أحبَّ عزة ونصرة العرب والمسلمين في كل مكان وزمان، وهو الرُّجل الأُمِّي.
إن مسألة التنشئة على منظومة القيم نسبيَّة، وغالباً ما تطغى عليها العواطف ـ إنصافاً أو إجحافاً ـ وهذا ليس مجال المقال السياسي، لكن عليَّ أن أنتهي إلى القول هنا، والدمع يسبق الكلام: لقد ضاق العالم عليّ بما رحب بعد رحيل والدي، ويشترك هذا في ضيقه مع حادث وفاة أخي «أسامة» منذ سنوات، ذلك الأخ الذي انتظرت مجيئه من الغيب بلهفة لما يقارب ربع قرن.
لنعد إلى المشترك معكم أعزَّائي القرَّاء، وهو ذكرياتكم مع والديكم، فبالتأكيد بدايتها دعوات بالغيب لأجل التعجيل به خيراً قبل مجيئكم، وحبٌ وتفانٍ بعد ولادتكم، وانتظار لسعادة دنيويّة لكم بعد كبركم، مع استمرارية تحمل أعبائكم، فلتدعوا الله لهم بالرحمة أحياء كانوا أم أمواتاً.. وهكذا أفعل اليوم من أجل والدي، وهل نملك غير الدعاء؟!
أحاول أن أسير على خطى والده الراحل ـ وهيهات أن أساويه أو حتى أقترب من صبره ـ والدي، الذي دعا الله ذات ليلة أن يرزقه ابناً صحفيّاً يدافع عن الجزائر في المستقبل، لحظتها كان عاملاًَ مستضعفاً أعزب، يجاهد بما يخالف قوانين فرنسا الاستعمارية، حيث كان يقوم سرّاً بتوزيع صحيفة «الجزائر الحرة» في باريس، لسان الحركة الوطنية الجزائرية، الداعية لاستقلال الجزائر، كان ذلك حين ألقت عليه الشرطة الفرنسية القبض.. فاستجاب الله لدعائه.
إنني دعوة أبي، وأيضاً أنا ــ وغيري من الإعلاميين ـ دعوة آبائكم، حين كان يأخذهم الشوق والأمل إلى أمة حرة مستقلة، وقد كان لهم ما أرادوا، فلا يحق لنا اليوم أن نترك تحقَّق الدعوات يتحول إلى شهادات ظالمة ومُزيفة عن بحور دمائنا، سواء أكانت نتيجة غيِّنا وضلالنا أو من ظلم وعداوة الآخرين.