ما تعيشه الساحات العربية اليوم من تغيرات، سواء بدحر الإرهاب وداعميه بتكلفة باهظة، بشرياً وزمنياً، وتبعاته التي قد تعمر لعقود أخرى، على النحو الذي نراه في سوريا، أو بانتفاضات متواصلة من عرب العراق ضد الهيمنة شبه المطلقة لإيران هناك، أو حتى بانتفاضات شعبية كتلك التي يشهدها السودان والجزائر، الساعية على ما يبدو إلى تغير جاد على المستوى الأعلى، أو برفض الإرهاب والعنف في ليبيا من جهة، والتخوف من تغول النهضة في تونس .. جميعها تقر بحقيقة مفادها: بأن أيامنا العربية حبلى، ولكن ماذا ستلد؟ .. وكيف سينتهي الصدام المحتمل بين الأطراف حول بنوة المولود الجديد؟ .. ولمن سيُنْسب إذا جاء مشوهاً؟
الأسئلة السابقة وغيرها قد تطرح على مستوى التنظير، لكنها ليست محل اهتمام من القائمين بالفعل الآن، ليس فقط لأن الفعل الاجتماعي في تقاطعه مع التوظيف السياسي للأحداث، أكبر من يكون اليوم محل مساءلة أو دراسة، أو حتى مناقشة مختلفة لا تنتهي بركوب الموج العاتي لبحر المنتفضين، فما بالك بالتحليل الموضوعي المختلف، أوالنقد لأجل تخفيض سقف الطموحات والآمال أو الدعوة للخروج من عالم الأوهام، وإنما لأن الموقف الجماعي للشعوب يأتي محملاً بكبرياء الذات الجماعية ولحظة زهوها، وحنينها إلى تدافع يقضي على زمن الصمت والخنوع من جهة، ويقدم تبريراً وهمياً ينفي مسؤولية الشعوب على إنتاج الحالة المضطربة لفعل متراكم، عملت من خلاله على إقامة شراكة مع أنظمة طوَّعت لها نفسها تعميم ثقافة الفساد، وكانت النتيجة ما نراه اليوم في ساحاتنا العربية.
الأيام العربية الراهنة والمقبلة حُبْلى لا شك في ذلك، وليس هناك استنساخ أو تأثر بين حركة التغيير في مجتمع عربي وآخر، ومهما قيل فإن الظروف العربية ليست واحدة، وتختفي وراءها مطالب فيها ما يغني، وفيها أيضاً ما يُقني، لكن النهاية قد تكون واحدة لجهة الارتماء ـ غير الطوعي ـ في حضن أولئك الذين يتقدمون الصفوف في كل حين، وخير مثال على ذلك الاحتجاجات الجزائرية الرافضة لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، مع أنه حقق الكثير خلال سنوات حكمه خيراً وشراً، وذلك فعل بشري، نتاج مجتمع لم ولن يكون يوماً ما ملائكياً.
أيامها العربية حبلى بتغيرات قد تكون كارثية .. ويبقى السؤال: ماذا ستلد في المستقبل القريب؟، أما زمنها البعيد فذاك يخضع لتطورات أخرى يتم التحضير لها من الآن.