تسريبات «مشعل» بين خطاب المقاومة وحسابات الأنظمة 

الخميس 18 ديسمبر 2025 7:23 م

في غضون عام 1996، شغل خالد مشعل منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واستمر في المنصب حتى عام 2017، وتم اختياره قائدًا لها، بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، في عملية دبرها جيش الاحتلال الإسرائيلي. ظاهريًا ارتدى مشعل عباءة النضال، من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولكن العديد من الوثائق، كشفت الوجه الحقيقي للحركة، وما إذا كانت تسعى فعليًا لمواجهة العدوان الإسرائيلي، أم تنفذ أجندة على حساب القضية.

خالد مشعل، المقيم خارج الأراضي الفلسطينية كان في ذروة حضوره السياسي داخل حركة «حماس»، والواجهة الدبلوماسية للحركة، والمتحكم في خيوط العلاقة مع الأطراف العربية والإقليمية، إذ كان يتحرك في مرحلة شديد التعقيد، حركة تقاوم عسكرياً، لكنها محاصرة سياسياً، محكومة بالضغط الإسرائيلي من جهة، وبحسابات الداعمين الإقليميين من جهة أخرى، وكان مطلوباً من «حماس» أن تصمد في غزة، وأن تحافظ في الوقت نفسه على صورة «المقاومة الشرعية».

في تلك المرحلة، كان علي عبد الله صالح الرئيس اليمني الأسبق، يقف على مفترق طرق سياسي حاد داخلياً، كان نظامه يواجه تصدعات متراكمة، من حروب متتالية، إلى احتقان سياسي واقتصادي، لذلك حاول تثبيت موقعه إقليميًا من خلال المقاربة عربيًا ودوليًا، لا سيما واشنطن، التي تعد الذراع الأقوى عالميًا.

الرئيس اليمني الأسبق، لم يكن ينظر إلى القضية الفلسطينية من منظور سياسي، بل بوصفها ملفاً إقليمياً شديد الحساسية، يمكن أن يمنح شرعية في الخطاب، لكنه في الوقت ذاته قد يكلف ثمناً سياسياً باهظاً، إذا خرج عن الخطوط غير المعلنة للتوازنات الدولية.

وحملت المكالمة الهاتفية المُسربة بين علي عبد الله صالح، وخالد مشعل دلالات سياسية خطيرة، إذ يعود التسجيل إلى مرحلة إقليمية كانت تتشابك فيها الحروب بالوساطات، في لحظة كان فيها الدم الفلسطيني حاضراً في الخطاب، لكنه لم يكن دائماً حاضراً في القرار.      
السياق الزمني للمحادثة بالغ الأهمية، خاصة ونحن أمام مرحلة تشهد تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً على قطاع غزة، أدى إلى استشهاد أعداد غير مسبوقة من المدنيين، مقابل إطلاق صواريخ فلسطينية محدودة الأثر عسكرياً، لكنها تحمل دلالات رمزية، في المقابل كانت القمم العربية والوساطات الدولية تتحرك ببطء، فيما تمارس ضغوط غير معلنة على أطراف عربية لاحتواء التصعيد، لذلك النقاش حول «جدوى الصواريخ» ليس نقاشاً عسكرياً فقط، بل يحمل أبعاد سياسية.

حين يحمّل علي عبد الله صالح حركة «حماس» مسؤولية استمرار الغارات الإسرائيلية، فهو لا يتحدث بلسان الشارع العربي، بل بلسان قلق من تبعات المقاومة غير المنضبطة، ايضا لم ينكر صالح تعرض فلسطين للظلم، لكنه في الوقت ذاته، يعيد ترتيب الأولويات وأبرزها: وقف الصواريخ أولاً، ثم البحث عن تهدئة، إلى جانب الحديث عن الحصار، وهو ما كان يعكس رؤية كثير من الأنظمة العربية في تلك المرحلة، التي كانت ترى في المقاومة المسلحة أداة ضغط قابلة للاستخدام، لا شريكاً استراتيجياً مستقلاً في القرار.

وهنا يبرز السؤال: هل كانت «حماس» تدرك أنها تُستخدم في كثير من الأحيان كورقة ضغط أكثر منها شريكاً استراتيجياً؟ الإجابة نعم نظرًا لأن قيادة الحركة، وعلى رأسها خالد مشعل، كانت واعية للازدواجية في بعض المواقف العربية، لكنها كانت مضطرة للتعامل معها، لأن الحركة المحاصرة لا تملك رفاهية اختيار داعميها، بل وفق ما هو متاح.

ويمكن فهم إصرار مشعل، في المكالمة على إعادة توجيه البوصلة نحو وقف العدوان ورفع الحصار، إذ لم يكن ذلك خطاباً عاطفياً فقط، بل محاولة سياسية لإحراج الأنظمة أمام مسؤولياتها، ودفعها إلى التعامل مع جوهر الأزمة لا مع أعراضها، لكنه كان يصطدم بمنطق الدولة، الذي يرى في التهدئة هدفاً بحد ذاته، حتى لو جاءت على حساب معتقدات المقاومة.

ايضا، تكشف المكالمة، عن فجوة بين منطق الحركات المقاومة ومنطق الأنظمة، وهنا يبرز سؤالا: من يملك حق تعريف «المصلحة الفلسطينية»؟ هل هي الشعوب تحت القصف، أم الدول التي تدير التوازنات؟ وبين هذين المنطقين، ظلت القضية الفلسطينية تُستهلك خطابياً.

فضيحة التسريب كشفت أن كثير مما يُقال في العلن، لا يشبه ما يُقال في الغرف المغلقة، وأن المقاومة في نظر بعض الدول، كانت وما زالت أداة تفاوض أكثر منها خياراً استراتيجياً، والأهم أن الحقيقة المؤلمة هي أن الصراع لم يكن يوماً بين طرفين فقط، بل بين زوايا متعددة، لكل منها حساباتها، وأثمانها وضحاياها.


 

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر