هل دمر طوفان الأقصى الوهم الزائف بالسلام بين فلسطين و إسرائيل ؟

الأحد 24 ديسمبر 2023 6:41 م

في السنوات الأخيرة، سيطر اليمين المتطرف على السلطة في تل أبيب. وتحت إشرافه، تزايد الألم اليومي الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون : فقد قُتل الآلاف من المدنيين العزل في غزة، وأصيب عدد أكبر بكثير بجروح وتعرضوا لندوب نفسية، وتم تهجير مئات الآلاف من منازلهم. وقتل المستوطنون الصهاينة العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية واستولوا على أراضيهم وممتلكاتهم ، وتم اعتقال عرب إسرائيليين وطردهم من عملهم.

وبينما نسيت الحكومات العربية والأميركية والإسرائيلية الفلسطينيين وتجاهلتهم ، انغمست في مفاوضات التطبيع . ونتيجة لذلك، شعر الفلسطينيون وكأن كل الأطراف قد اختارت وقررت أن تغض الطرف عنها. فماذا يستطيع الفلسطينيون أن يفعلوا؟ ولعل الانتفاضة الكبرى، طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، جاءت رداً على ذلك، لتذكير إسرائيل والولايات المتحدة والعالم بأن فلسطين لا تزال مهمة. وبالتالي نشهد تغير في الخطاب الإسرائيلي والدولي بشأن القضية الفلسطينية .
وقال بن سلمان لبريت باير مراسل قناة فوكس نيوز إن التطبيع مع إسرائيل يسير على المسار الصحيح وأن " القضية الفلسطينية مهمة للغاية " ويجب حلها. وقال أيضا إن التطبيع سيكون " أكبر اتفاق تاريخي منذ نهاية الحرب الباردة ". لأنه سيجعل إسرائيل مقبولة في العالم العربي والإسلامي، باعتبار السعودية حامية أقدس الأماكن الإسلامية.

إن الموقف السعودي الآن من المبادئ الإبراهيمية وتأخر التطبيع مع إسرائيل هو ما يمنع الدول الإسلامية الأخرى من التطبيع مع إسرائيل. لكن لو حدث التطبيع السعودي الإسرائيلي فإن المعادلات ستتغير على أية حال. طوفان الأقصى أوقف ماراثون التطبيع العربي مع إسرائيل ولفت انتباه الزعماء العرب، خاصة الخليجيين، إلى معايير أمريكا المزدوجة.. حيث أدانت أمريكا الاعتداءات على المدنيين في أوكرانيا.. وقدمت مبررا صريحا لقتل سكان قطاع غزة بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.أحدثت شراسة ووحشية الاحتلال الصهيوني تغييراً في الوعي الشعبي الأمريكي والغربي تجاه القضية الفلسطينية، وأثارت قلق أعداد كبيرة من الناس في العديد من الدول، وكشفت كذبة " إسرائيل دولة مدنية وديمقراطية ".  علاوة على ذلك، فقد دمر طوفان الأقصى أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، فالجيش الإسرائيلي عبارة عن آلة قتل فعالة للغاية، ولكنه أقل فعالية بكثير كقوة مقاتلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقتال البري.

ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى عملية التدمير الجوي بمثابة مقدمة لحملة عسكرية لغزو بري لغزة. لأن العملية لم تكن ذات دوافع عسكرية ، بالتالي هي حملة لإنزال عقاب جماعي شديد بالمجتمع الفلسطيني برمته (المحرقة)، لانتزاع ثمنا لا يقبل المنافسة مقابل الإذلال الذي تعرض له الجيش والمخابرات الإسرائيلية خلال طوفان الأقصى.

أما الدعم الأمريكي لتدمير قطاع غزة ، فهو لا ينبع من دعمها الاستراتيجي لإسرائيل ، لا  لأن  طوفان الأقصى كان أيضاً هجوماً على الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
و مما ذكر  نصل الى حقيقة واحدة مؤكدة ، وهي أن العودة إلى الوضع السابق قبل 7 أكتوبر غير مرجح ، دون أي تقدم ملموس في القضية  الفلسطينية .

لذا أصبح من الواضح أن أي لقاء عربي إسرائيلي لا يمكن أن يغض الطرف عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني . 
 خاتمة:
نرى أهم الاتجاهات في السياسة الإسرائيلية على النحو التالي:
أولاً: يرى معظم الإسرائيليين حالياً أن نتنياهو مسؤول عن الفشل وغير مؤهل للقيادة ، ويعتقدون أن ائتلافه المتطرف يسبب المزيد من الضرر. ويبدو أن الإسرائيليين مستعدون لقيادة جديدة، والتي لن تكون على الأرجح قيادة يسارية. وبحسب استطلاعات الرأي فإن المرشح لهذا المنصب هو رئيس الأركان السابق بيني غانتس، الذي يقال إنه أكثر اعتدالا. بيني غانتس ليس صانع سلام، ومن المحتمل أن ينحاز في الغالب إلى الأحزاب اليمينية، لكنه شخص يمكنه استئناف المفاوضات وإحراز بعض التقدم العملي مع الفلسطينيين والمنطقة.
ثانياً: مع الأسف، أبدت دول المنطقة (باستثناء دول محور المقاومة) إصرارها على الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل، رغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها لتصرفاتها في غزة.
ثالثا، أظهر استطلاع أجراه معهد ميتفيم وجامعة تل أبيب أن الإسرائيليين يميلون حاليا إلى وصف أنفسهم بأنهم يمينيون، ولا يثقون بالسلطة الفلسطينية أو المفاوضات معها، وهم أقل تأييدا لحل الدولتين. إنها صورة قاتمة، لكنها ليست مفاجئة : بعد حرب أكتوبر عام 1973، كانت الصورة قاتمة أيضًا، ولكن في النهاية حدث تغيير سياسي جذري، السلام (مع مصر). ومن الممكن أن تحدث تطورات في أعقاب طوفان الأقصى، وربما بوتيرة أسرع.
رابعاً: لطالما اعتبر الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة مناطق مضطربة .

في هذا العام وحده، اهتز الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة مرتين: أولا، شهد الكيان الإسرائيلي المظاهرات الحاشدة ضد محاولات الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في تقويض الديمقراطية وسيادة القانون. والثاني هو طوفان الأقصى الكبير الذي وضع القضية الفلسطينية في قلب السياسة الإقليمية والدولية. وهذان الحدثان سيؤديان إلى قيام حكومة إسرائيلية فاشية. تقوم بتنفيذ تطهير عرقي رهيب في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.
خامساً: احتمال اندلاع حرب إقليمية: فنحن نشهد اشتباكات يومية على طول الحدود اللبنانية والسورية مع إسرائيل، وهجمات عراقية ويمنية ضد المصالح الإسرائيلية الأميركية، وهذا يهز منطقة الشرق الأوسط برمتها. وإذا توسعت هذه الأحداث، فقد تكون إمدادات الطاقة محدودة وقد ترتفع الأسعار بشكل كبير في جميع أنحاء العالم.

علاوة على ذلك، خلقت الاحتجاجات الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم خوفًا عند الولايات المتحدة وذراعها الكيان الإسرائيلي. إن فشل إسرائيل ـ وهذه نتيجة حتمية ـ من شأنه أن يشجع وينشط قوى المقاومة في المنطقة، بما في ذلك حماس. يعني خلق تهديد وجودي لإسرائيل وتهديد للمصالح الأمريكية في جنوب غرب آسيا، فضلاً عن تهديد للصهيونية العنصرية في جميع أنحاء العالم. ولذلك فإن خلق مبادرة سلام جديدة هو في مصلحة أمريكا وإسرائيل والدول العربية (المتواطئة معهم). وهذا يمكن تحقيقه إذا كانت هناك رغبة صادقة في إيجاد حل حقيقي لهذا الصراع في الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. 


كاتب ومحلل سياسي يمني 

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر