الربيع العربي يطرق باب المملكة العربية السعودية

الجمعة 13 مارس 2020 2:09 م

النظام السياسي في المملكة العربية السعودية بشكل عام كيان هش إلى حد ما . في حالة أي صراع بين النخب السعودية ، يمكن ببساطة تقسيم المملكة جغرافياً إلى عدة مقاطعات . على سبيل المثال ، تلك المقاطعة الشرقية حيث تتركز فيها الثروة النفطية و غالبية سكانها من الشيعة ، الذين  ينجذبون  بشكل  طبيعي نحو إيران ، يمكن ان تنفصل بسهولة .

أول ما ظهر الخلاف في المملكة العربية السعودية كان وسط أبناء مؤسس المملكة ، أصبحوا الآن قلة . عندما عين الملك عبدالله الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد ، وهو يعرف ان الأمير مقرن غير مرغوب به من الأسرة الحاكمة و رجال الدين بسبب نسبه . هو نجل إحدى المحظيات اليمنيات . لذا الملك عبدالله بصفته مسؤولاً و قائداً وطنياً ، و كان في حالة بدنية سيئة للغاية ، يريد أن يترك المملكة في حالة استقرار . و يبعد المملكة عن الإنقسام الداخلي و صراع الاجنحة على السلطة . كما يقول ألكساندر إجناتنكو رئيس معهد الدين و السياسة ، لهذا الغرض الملك عبدالله استحدث منصبا جديدا لم يكن موجودا من قبل ، نائب ولي العهد . لان الملك عبدالله يعرف ان في المملكة قد ظهرت مجموعات كثيرة من ذوي النفوذ تحلم بتغيير النظام السياسي بالكامل ، بدلا من ملكية وراثية مطلقة ، إلى إنشاء شئ آخر ، مثل الملكية الدستورية. و في مكان آخر يؤكد ألكساندر إجناتنكو إلى ان هؤلاء الأشخاص ، ذوي النفوذ ، يعرفون انه ليس لديهم أي فرصة قانونية على الإطلاق ليصبح أحد منهم ملكا . هم الآن يخترعون التوليفات و الحركات المختلفة التي من شأنها أن تسمح للأشخاص من الدم غير الملكي بالوصول إلى السلطة أيضاً . يمكن أن تؤدي مثل هذه الحركات إلى نوع من ثورات " الربيع العربي " . لأن مثل هذه الثورات هي الوسيلة الأنجع لإعادة توزيع السلطة بين مجموعات النخبة . 

ما يحصل اليوم من اعتقالات يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ، الهدف من ورائها تعزيز موقفه الداخلي و الخارجي . في نفس الوقت يكشف للرأي العام إلى ان هناك أزمة حادة في السياسة الداخلية للمملكة حول خلافة الملك سلمان . عمليا بدأت الأزمة بعد تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد في عام 2017م . شهدت النخب السعودية سلسلة من عمليات " ترهيب المنافسين للأمير محمد بن سلمان داخل الأسرة الحاكمة " . حيث تم اعتقال العديد من كبار الأمراء و شخصيات بارزة من البيروقراطيين المدنيين و العسكريين في المملكة السعودية كإجراء قانوني . هذه الأزمة الحادة في السياسة الداخلية للمملكة ترتبط ارتباطا و ثيقا مع عدد من التطورات الدولية.    

تمهيد الطريق للامير محمد بن سلمان للعرش السعودي

أثارت الإعتقالات يوم الجمعة 6 مارس المخاوف بشأن صحة الملك سلمان . لذا ظهر الصراع على احقية العرش بعد سلمان بشكله العلني هذا . لأن المادة الخامسة من الدستور السعودي تنص على هيكل النظام السعودي كملكية مطلقة ، فإنه ينص على ان أبناء الملك عبد العزيز ( و ليس احفاده مثل الأمير محمد بن سلمان ) لهم الحق في العرش السعودي . قانونيا بموجب هذه المادة من الدستور ان ابن عبد العزيز الحي ، أحمد بن عبدالعزيز ، المعتقل حاليا ، يحق له ان يطالب بالعرش . من ناحية اخر ان التغييرات الجذرية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان في السياسة الداخلية للمملكة مؤخراً في إلغاء التوازن السلالي المتبع تقليديا أثار رد فعل بين أعضاء الأسرة الحاكمة كلها . حيث كان نظام الحكم يقوم على سياسة التوازن بين أعضاء أسرة آل سعود . وفقا لسياسة التوازن بين الأقوياء في الأسرة الحاكمة عند توزيع المناصب المؤثرةالملك هو رئيس الدولة السعودية و لا يحق له جمع كل السلطات في يده ( كما هو حاصل الآن في عهد الملك سلمان ) . لان عدد أعضاء الأسرة أكثر من 10000 و كلهم يكافحون ليكونوا مؤثرين في النظام السياسي السعودي . تم تقسيم أسرة آل سعود إلى 34 فرعاً ، بهذه الطريقة يسهل عليهم التغلب على الازمات الطارئة من خلال التنازلات المتبادلة و التحالفات بين أعضاء الأسرة الحاكمة . و كان للعلماء ، تأثير فعلي في عمليات صنع القرار . نتذكر ما حدث لسعود بن عبد العزيز ، أول ملك للبلاد بعد مؤسسها الملك عبد العزيز عام 1964م . عندما حصل خلاف بينه و بين الملك فيصل . هم العلماء الذين حسموا الامر لصالح الملك فيصل . ان صعود سلمان إلى العرش حفز ابنه الأمير محمد بن سلمان إلى استبعاد أهم عنصرين في النظام السعودي ، أفراد الأسرة الحاكمة و العلماء من النظام السياسي . من أجل ضمان وصوله السلس إلى العرش بعد والده . بدأ بن سلمان يعمل بشكل ممنهج لتصفية المرشحين الأقوياء للعرش ، مثل الأمير أحمد بن عبد العزيز و الوليد بن طلال و متعب بن عبدالله و محمد بن نايف و العديد من أعضاء الأسرة الحاكمة عن طريق الإعتقالات و تشويه سمعتهم .

احتكار السلطة في يد الملك سلمان و ولي العهد ، هذا يخل بالتوازن الاسري الذي كان موجودا في الماضي . من الناحية الأخرى قد يكون هذا التحرك الهستيري للأمير محمد بن سلمان ، و هذا الاقرب ان الملك سلمان غير قادر على أداء واجباته ( بسبب مشاكل صحية أو مشاكل أخرى ) . في هذه الحالة المفروض ان مجلس هيئة البيعة المكون من أعضاء سلالة آل سعود رفيعة المستوى ، هي التي يجب ان تمسك بمفاصل السلطة و تعين الملك الجديد . هذا يخيف الأمير محمد بن سلمان ، لانه يعرف جيداً ان الامير أحمد بن عبد العزيز ، وهو أهم عضو في هيئة البيعة يعارض اختيار محمد بن سلمان كملك جديد . أضف إلى ذلك الأمير محمد بن سلمان خفض دور العلماء في النظام السياسي السعودي و البناء الاجتماعي للدولة . هذا خرق للإتفاقية التي أبرمت عام 1744م بين محمد بن سعود و محمد بن عبد الوهاب ، مؤسس الدولة السعودية الأولى ، مما أدى إلى نفور العلماء و غضبهم وهم أهم عنصر في سياسة البلاد لثلاثة قرون . إذا الأمير محمد بن سلمان فَقَدَ دعم الركائز الثلاث التي قامت على أساسها المملكة العربية السعودية وهي : (1) الأسرة المالكة (2) علماء الدين (3) النخب القبلية هذا يمهد الطريق للربيع العربي ، فقط ينقصه الدعم الخارجي . نستطيع ان نقول ان الربيع العربي " يطرق باب المملكة العربية السعودية .      

كاتب و محلل سياسي يمني    

 

التعليقات