في صباح يوم الثلاثاء الموافق 29/من سبتمبر عام 1970م كنا في الصف الأول الإبتدائي .نستعد للذاهب الي المدرسة .حركة غير عادية في الشارع ،استيقظ أبي وفتح نافذة الشباك يسأل ،جارنا ماذا حدث قال عبدالناصر مات .خرجنا جميعا الي الشارع دموع الناس تملاء الوجوة والحزن يخيم علي كل الناس لقد
كان رحيل " جمال عبد الناصر" كارثة عربية كبرى، لم يتخيل أحد أن يفارق ناصر فجأة، تاركا إرثا ثقيلا، ومع الذكري" الواحد والخمسون " تمر اليوم 28 من أيلول/سبتمبر 1970م، ورغم انقضاء نصف قرن على وفاته، يصعب تفادي حضوره في الحياة السياسية المصرية والعربية وجميع الملفات الشائكة المفتوحة اليوم في مصر والمنطقة العربية ، حتى يمكن القول إن رحيل عبد الناصر لم يؤد لغيابة عن الساحة، والأهم أن يتساوى مؤيدو ،عبد الناصر" ومعارضوه في تقدير هذا الحضور. ومع نزيف الدم العربي العربي علي شاشات التلفزة العالمية كل يوم . تأتي الذكري منع نزيف الدم العربي علي حساب حياة عبد الناصر . ففي سبتمبر 1970م، قَطَعَ جمال عبدالناصر إجازته في مدينة 《مطروح الساحلية》 وكانت عطلة "شبه إجبارية "فَرَضها عليه الأطباءالسوفييت والمصريين ، وقد تم وقف إطلاق النار لمدة ثلاث أشهر من اتفاقية" روجرز " فكانت النصيحة بفترة راحة .فقطع الأجازة وعاد كي يسعى بكل ما يمتلك إلى حقن الدماء العربية، فدعا إلى انعقادٍ عاجلٍ لمؤتمر" القمّة العربية" ، وفي خلال 24 ساعة تجمَّع الملوك والرؤساء العرب في القاهرة حوله لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.
قرَّر الملوك والرؤساء العرب تشكيل لجنة على مستوى القمّة لتقصّي حقائق ما يجري في "الأردن" وتشكَّلت من 《 رئيس السودان الرئيس جعفر نميري، ومعه حسين الشافعي من مصر، والباهي الأدغم رئيس وزراء تونس، والفريق محمّد أحمد صادق رئيس الأركان المصري 》وهم الذين استطاعوا إنقاذ ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وأحضروه من الأردن حيث كان مُحاصَراً إلى القاهرة ليتمكَّن من حضور جلسات القمّة مُمثّلاً لفلسطين وقد قيل ان ياسر عرفات تخفي في ملابس حريم حتي يتم خروجة مع الوفد العربي خوفا من إغتياله .
ظلّ عبدالناصر يُردِّد خلال أزمة «أيلول الأسود» طوال يوميّ 27 و28 أيلول/ سبتمبر: «إننا في سباق مع الموت»، ولعلّه لم يكن يُدرِك حجم الحقيقة المرّة في هذا التعبير الذي قاله قُبيل رحيله المُفاجئ، فلم يكن السباق مع الموت بين الفلسطينيين وبين الأردنيين فقط، وإنما كان بين عبدالناصر شخصياً وبين الموت، كأنه كان يُسابِق ساعاته الأخيرة كي لا تفلت منه قبل أن يتمكَّن من أن يُنهي آخر مهمة ما أراد أن يُقدّمه لأمّته العربية قبل أن يختطفه الموت ويرحل وقد تم التوصّل إلى اتفاق، بعد يوم من العمل المركّز توصّل الرؤساء إلى اتفاقٍ بين الأردن والمقاومة، وقَّعوا الزعماءالعرب علي الأتفاق مساءاليوم التالي واشترك معهم الملك حسين وياسر عرفات». وقد حدث موقف من ياسر عرفات ثم تلي ذلك موقف العقيد القذافي اثناء دخولة قاعة الإجتماع التحضيري برفض تسليم سلاحة الشخصي خارج القاعة وقد تدخل عبد الناصر لإقناعة بترك سلاحة الخاص
وانفردت «الأهرام» بنشر آخر توقيع لعبدالناصر إلى جانب توقيع الملوك والرؤساء.وكانت العناوين التي تصدَّرت صفحة «الأهرام المصرية » الأولى نتائج جهد عبدالناصر، رغم تحذيرات الأطباء بل ورغم فزعهم من مواصلة مثل هذا الجهد طوال أسبوع كامل، بدأ في 12 أيلول/ سبتمبر 1970، حيث انعقد مؤتمر القمّة العربية الأخيرة في ظلّ وجود عبدالناصر في فندق هيلتون في القاهرة، وانتهى يوم 28 بتوديعه أمير الكويت في مطار القاهرة.
كان عبدالناصر نجح في تحقيق أهدافه في هذا المؤتمر، وكان الهدف الأول بالطبع وقف سفك الدماء في الأردن، والهدف الثاني يتمثّل في الحفاظ على قوَّة منظمة التحرير الفلسطينية وضمان استمرار عملها تجسيداً لنضال الشعب الفلسطيني، والهدف الثالث الخروج من هذا الوضع الخطير الذي تفجَّر مع حوادث أيلول/ سبتمبر 1970م، وسُمّي عن حق «أيلول الأسود»، بتجميع القوى العربية للعمل معاً على تحرير الأراضي العربية المحتلة ومواجهة إسرائيل في ظلّ وفاق وتضامُن عربيين يُتحديان الظروف المناسبة لكَسْبِ معركة التحرير.
على أرض المطار، وبينما كان ناصر ينتظر تحرّك طائرة أمير دولة الكويت، شعر بألمٍ في صدره، وراح العَرَق يتصبَّب منه بغزارةٍ، فطلب سيارته إلى حيث كان يقف لأنه لا يستطيع أن يسير بنفسه إليها كما كان يفعل عادة.
ومع اقتراب عقارب ساعة يوم 28 أيلول/ سبتمبر 1970م وصل كل من حسين الشافعي، وعلي صبري، ومحمّد حسنين هيكل، وتمّ الإتصال بكلٍ من الفريق أول محمّد فوزي وأمين هويدي اللذين وصلا فوراً، وانقسم الحضور بين مَن يدعو ومَن يُصلّي. ومَن يتطلَّع إلى السماء راجياً، وحدث أن اهتزّ الجسد بسبب إحدى الصدمات الكهربائية فاستبشروا خيراً، ولكن كان عبارة عن ردّ فعل الصدمة الكهربائية، ثم حان الوقت الذي ليس للبشر فيه أية قُدرة على التدخّل.
هنا نأتي ذكري ميلاد هيكل ال98 مع رحيل ناصر فعلاقة هيكل وعبد الناصر، فهي ليست علاقة صحافي برئيس، كما شاهدناها في عصورٍ لاحقة، لكنها كانت صداقة فكرية، بين دماغين قلّما وجدت هذا التطابق والتكامُل بينهما. هيكل كان رفيقاً لعبد الناصر، حتى أنه كان مُحيطاً بسريره، وهو في لحظاته الأخيرة. فهو مَن وصف نفسه أكثر من مرة بأنه كان على علاقة حوار مع عبدالناصر استمرت منذ العام 1948م حين التقى به أثناء حرب فلسطين الأولى، وحتى رحيله في 1970.
وقائع ليلة الرحيل بالذات،كما رواها هيكل في كتابيه "عبد الناصر والعالم"، و"الطريق إلى رمضان"، وفيهما وصفٌ دقيق لتفاصيل ما حدث في اللحظات التي تلت مؤتمر القمّة العربية الذي دعا إليه عبدالناصر بعد أحداث "أيلول الأسود" الدامية بين الفلسطينيين والأردنيين، حتى الوفاة، وترتيباتها.
إلا أن أسباب الموت ومرضه بالسُكّر والضغط ذكرهما هيكل فقال "الجهد والعمل والقلق المُتّصل كلَّفه غالياً. فقد كان في هذه المرحلة رجلاً قد حلّ به التعب وأنهكه المرض، فقد كان يعاني من مرض السُكّر منذ سنة 1958م، وكنتيجةٍ لمرض السُكر أصيب بحالٍ موجٍعة من تقلّص شرايين ساقيه وطلب منه الأطباء أن يُقلِع عن التدخين".
تبقى هي اللحظات التي جاءت مع مساء الإثنين 28 أيلول/ سبتمبر 1970م، فيها واجهت مصر إحدى أدقّ لحظات تاريخها الحديث. من دون مُقدّمات مُعلَنة، وخارج أيّ توقّع مُسبَق أعلن أنور السادات عبر شاشات التلفزيون رحيل عبد الناصر. ومع الذكري نتذكر رجل مازال حاضرا في المشهد السياسي الحاضر الغائب!!
"محمد سعد عبد اللطيف " كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية وعضو عامل بالنقابة العامة للصحافة "