الطموحات الجيوسياسية الإسرائيلية الجديدة..!

الجمعة 11 أكتوبر 2024 5:02 م

في مشهد سريع على الحرب الدائرة في أكثر من محور في المنطقة، وفي ظل الأوضاع المتسارعة والمواجهات المستمرة مع ما يُطلق عليه محور الشر (المقاومة)، أطرح هنا سؤالاً: هل بعد انتهاء الحرب سيظهر على الخريطة السياسية شرق أوسط جديد؟ هل أصبحت أحلام التطلعات الإسرائيلية لشرق أوسط جديد، خالٍ من التهديدات الإيرانية، شبه مؤكدة؟

بعد تردد مصطلح "شرق أوسط جديد" في الأوساط السياسية العليا الإسرائيلية، هل أمريكا والغرب يساعدان إسرائيل على إعادة ترتيب موازين القوى ورسم خريطة سياسية جديدة، بديلًا عن قوى إقليمية لها نفوذ في المنطقة مثل إيران وروسيا والصين؟ وهل أمريكا والغرب لديهما نوايا لرسم خريطة جديدة بدون أراضٍ للفلسطينيين في شرق أوسط جديد؟

تصريح وزير خارجية إيران السابق، محمد جواد ظريف، في مؤتمر صحفي منذ سنوات، بأن جغرافية إيران أكبر من مساحتها، وأن مصطلح "الحدود الشفافة" في الجيوسياسية للإيرانيين قد تجاوزه الزمن وصار متخلفًا، يبدو اليوم قديمًا وباليًا. في ظل تردد هذا المصطلح الآن على ألسنة كبار القادة في إسرائيل في المحافل الدولية، مثلما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" مؤخرًا في الأمم المتحدة، حين عرض خرائط جديدة للمنطقة.

رفع "نتنياهو" خريطتين أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ الأولى باللون الأخضر، للدول التي تربطها اتفاقيات سلام مع إسرائيل أو التي في مفاوضات لتطبيع العلاقات، مثل السعودية. وتشمل هذه الدول: {مصر، السودان، الإمارات، السعودية، البحرين، الأردن}. أما الخريطة الثانية، فكانت باللون الأسود، وأطلق عليها "نتنياهو" الدول الملعونة، وضمت إيران وحلفاءها في المنطقة: {سوريا، العراق، اليمن، وحزب الله في لبنان}.

في ظل حكومة يمينية متطرفة، يتخوف البعض من التطلعات التوسعية نحو ما يُعرف بإسرائيل الكبرى. الطموحات التوسعية الإسرائيلية قد تشمل زيادة عدد المستوطنين بحوالي مليون إسرائيلي في الضفة الغربية، لتغيير الخريطة الديمغرافية للسكان الأصليين من فلسطين التاريخية. كما تشمل تلك الطموحات إنشاء منطقة عازلة في غزة، وتوسيع الحدود نحو جنوب لبنان، شمال نهر الليطاني.

لعبت التحولات الجيوسياسية والاقتصادية دورًا كبيرًا في تغيير مواقف عدد من الدول العربية التي رفضت سابقًا الاعتراف بإسرائيل، وخاضت حروبًا ضدها، مثل مصر. وقد انخرطت دول أخرى في عملية التطبيع والتعاون الأمني والتجاري مع إسرائيل، مثل البحرين والإمارات والمغرب، وفق ما يُعرف باتفاقية "إبراهام"، وكذلك السودان، وقريبًا السعودية.

لكن هل جيوسياسية الصراع الحالي على أرض الواقع والإبادة الجماعية ستؤثر على المصالح المشتركة بين إسرائيل وحلفائها الجدد من العرب؟ يستبعد كثير من الباحثين أن تكون التطلعات التوسعية العابرة للحدود على أجندة "نتنياهو"، رغم عدم إخفاء إسرائيل نواياها بشأن تمديد رقعة الاستيطان والاحتلال. فهل ستوافق الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الخرائط الإسرائيلية التي تخلو من الأراضي الفلسطينية، وتغلق الباب أمام حل الدولتين؟

لقد نجحت إسرائيل في العقدين الأخيرين في تعزيز شراكتها الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية مع حلفائها الجدد من العرب، وفي شيطنة إيران، مستغلة الخوف من الخطر الإيراني على الأمن القومي لدول الخليج والمنطقة. كما نجحت في توظيف واشنطن للضغط على دول عربية لدفع مشروع التطبيع في المنطقة، مقدمة إغراءات اقتصادية وعسكرية. وروجت لفكرة أن إسرائيل ليست تهديدًا إقليميًا للعرب، بل شريك استراتيجي في مواجهة إيران ومحور الشر (المقاومة).

هذا ما نرى ثماره الآن من انقسام الشارع العربي بعد اغتيال السيد/ حسن نصرالله، وحالة الجدل حول شخصيات المقاومة وتكفيرهم. لقد نجحت إسرائيل في إخراج مصر من الصراع الإقليمي، وتحجيم دورها، ونجحت في تكوين شراكة اقتصادية مع شركات متعددة الجنسيات، مما مكّنها من رسم واقع إقليمي جديد.

لا يمكن النظر إلى التغيرات في الشرق الأوسط بمعزل عن الظروف الدولية والصراعات الأخرى في منطقة أوراسيا، بين أمريكا وروسيا، وصراع جيوسياسي استراتيجي مع الصين في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما أن التغيرات في السياسات المحلية في أوروبا وصعود اليمين المتطرف تلقي بظلالها على المشهد. نحن في المنعطف الأخير نتيجة تسارع التغيرات الإقليمية والعالمية، وولادة عالم جديد من رحم المعارك الدائرة شرق أوروبا وفي الشرق الأوسط.

للأسف، نعيش في زمن سياسات الجهل، فالجهل يولد الثقة أكثر مما تفعل المعرفة. إنهم أولئك الذين لا يعرفون سوى القليل، وليس أولئك الذين يعرفون الكثير، يؤكدون أن هذه أو تلك المشكلة لن تُحل عن طريق العلم. "إن مشكلتنا هي أن الأغبياء واثقون من أنفسهم، والعلماء تملؤهم الشكوك."

*محمد سعد عبد اللطيف، كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجيوسياسية*

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر