الشيطان يعظ ..!!

الأربعاء 21 أغسطس 2024 6:18 م

المضحك المبكي في زمن الرياء والنفاق والمحسوبية، للأسف، الكل ينظر ويتحدث بالأخلاق والمثل العليا والقيم والصدق والكرم والإحسان والعطاء. فتشعر أن هذه الصفات تملأ الجميع من البشر من رؤوسهم حتى قدميهم.

وكأن هذا الخبث والشر والإجرام والسوء المملوء للكون وللعالم ليست إلا أقنعة مزيفة لا علاقة لها ببني البشر، وقد أتى إلى عالمنا من كواكب أخرى. ألا يعقل أن يكون {إبليس} هو الضحية المظلومة بأيدي بشرية وتفكير شرير من هؤلاء الناس، بعد أن رفعوا عنهم التهمة والصقوها به، فنقلوا شيطنتهم إلى إبليس وألبسوه إياها، وادعوا البراءة والأخلاق.

وخاصةً وأننا نجد في كل يوم ووقت أن هؤلاء البشر يتفننون بطرق شر عديدة يبتكرونها ويخططون لها، والألعاب الكذب والنفاق والخراب والدمار. ثم يلحقونها بالشيطان الذي أصبح الشماعة التي يعلقون عليها وساخاتهم وحقاراتهم وإجرامهم الفكري والجسدي.

عندما كنت أعيش داخل منظومة الأمور وقضايا الموروث المجهول المصادر تحت شعار بصمته، كنت أعيش في راحة الجهالة وسطحية الغباوة، مرتاح البال بدون بحث ولا تحرٍّ، وكأنني مُلبد بالغيوم. هكذا كنت أسير على غير هدى وراء القطيع، أركع مع الراكعين وأهتف مع الهتيفة، عاش (الملك آحا) وأصطف مع المصفوفين الواقفين كأسنان المشط.

وبعدما أصبحت مغردًا خارج السرب، بدأ عقلي المتحرك والممتلئ بزحمة الأفكار والقراءة يأخذ كل حياتي. فأصبح الفكر يشقيني ويتعبني، فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أعيش في عالم البرزخ، ضائعًا، سابحًا في أقطار السموات والأرض، لا أدري إلى أين المصير.

اليوم كنا نودع رجلًا من قريتنا، وقفت أتأمل المصير المحتوم. وتذكرت كتاب الدكتور "مصطفى محمود" "الشيطان يحكم". أتعجب تمامًا وأندهش من ناس يجمعون ويكنزون ويبنون ويرفعون البناء وينفقون على أبهة السكن ورفاهية المقام، وكأنما هو مقام أبدي. نسوا القبور، وأقول لنفسي: أنسوا أنهم في مرور؟

ألم يذكر أحدهم أنه حمل نعش أبيه، وغدًا يحمل ابنه نعشه إلى حفرة يستوي فيها الكل: غني وفقير، أبيض وأسود؟ وهل يحتاج المسافر لأكثر من سرير سفري؟ وهل يحتاج الجوال لأكثر من خيمة متنقلة؟ ولم هذه الأبهة الفارغة ولمن؟ ولمن الترف ونحن عنه راحلون؟

هل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟ أم هي غواشي الغرور والغفلة والطمع وعمى الشهوات وسعار الرغبات وسباق الأوهام؟ وكل ما نفوز به في هذه الدنيا من أوهام، وكل ما نمسك به ينفلت مع الريح..!

لا شيء غير الكذب يتداوله الناس.

سمعت يومًا بخبر عن وفاة رجل من العائلات الكبيرة، وكان صاحب منصب رفيع. تعرفت عليه عن قرب، في مكان ما خارج مصر. عملنا معًا تحت سقف واحد حتى كنا جيرانًا بالقرب من السكن. وعندما جلست في السرادق المقام للعزاء، سمعت المديح لشخصه وقوة إيمانه واستقامته. توقعت أنني دخلت عزاء آخر بطريق الخطأ، بدأت أضرب كفًا على كف بطريقة عفوية.

والكل يكذب، ولا أدري إن كان يكذب على نفسه أم أنه يكذب على الناس. وكان الكل يتحدث عن تواضعه، وهو الذي رفض أعلى المناصب، وكان يرفض سكن القصور والفنادق خلال بعثاته للخارج، ذو الخمس نجوم، المعد لاستقباله إلا بعد إجراء إصلاحات كبيرة في السويت المخصص له والحمام الذي أعيد بناءه من جديد على نفقة وحساب مصر.

أتساءل الآن: وإلى الذين تنبؤوا له بأنه في الفردوس الأعلى، والله أعلم إذا كان سيغفر له أو سيستقبله في فندق عظيم وحمام مطعم بالذهب والفضة.

ألا تخجلون من أنفسكم وأنتم تصفونه بما ليس به، والثناء على بساطته وتواضعه، وهو لولا العيب والحياء سيقول: أنا ربكم الأعلى في العمل الذي كان على رأسه؟

التعليقات