آخر الحروب الاستعمارية للإمبراطورية البريطانية كانت في جنوب اليمن . ظلت بريطانيا تتجاهل انتفاضات سابقة للقبائل المحلية لسنوات ، في العوالق و دثينة و ردفان و غيرها من الانتفاضات على أرض الجنوب الحر . لكن بعد ان انتقل مركز النضال الى المدينة الرئيسية في جنوب اليمن – عدن ، لم يستطيعوا الانجليز تجاهل ما يحث في عدن .
عدن في الستينات كانت مركزا رئيسيا للادارة البريطانية ، ومركزا رئيسيا لتكرير النفط وهو احد المواني الهامة في العالم و مركزا تجاريا مهما .
حالة طوارئ في عدن ( 1963 ــ 1967 )
تجاوبا إيجابيا مع المناخ القومي العروبي الثوري السائد حينها في منطقة الشرق الاوسط ، سعت بريطانيا الى اقناع سلاطين و شيوخ المنطقة بالاندماج مع مستعمرة عدن و تشكيل اتحاد جنوب الجزيرة العربية . بعد استكمال بناء مؤسسات الدولة الاتحادية الجديدة و بناء جيشها الوطني الاتحادي ، سوف تمنح هذه الدولة الاتحادية الاستقلال في 1968 . لكن الدولة الاتحادية ستكون ملزمة باتفاق دفاعي مع بريطانيا ، وعلى ان تبقى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن . نعلم كانت في عدن احد أهم القواعد الجوية و البحرية البريطانية على الطريق الى الهند . و كانت هذه القاعدة هي الضامن لحماية وصول إمدادات النفط من الشرق الاوسط الى الاسواق العالمية .
خلقت المقاومة الشعبية التي بدأت في عدن ضد الحكم البريطاني ، ارباك في الخطط البريطانية حول الاستقلال و الانسحاب . دخل الجيش البريطاني في مواجهة حرب العصابات في عدن و في الظروف الحضرية . أشتد الصراع بين المستعمر و المناضلين الاحرار في عام 1964 تم تسجيل 36 حادثا في عدن بأربعة قتلى ، و في عام 1965 - 286 حادثة ( 35 قتيلا ) ، عام 1966 – 610 حادثة (45 قتيلا ) ، و في الاشهر العشر الاولى من عام 1967 كانت هناك 2900 إصابة و 369 قتيلا . أضف الى هذا المقاومة الوطنية في عدن اتخذت قرارا بقتل المسؤولين البريطانيين و العملاء في حكومة اتحاد الجنوب العربي . بدأ الاحرار اولا بمهاجمة أقسام الشرطة ، ثم بقتل الضباط العملاء ، في بداية عام 1965 قتل 16 ضابطا يمنيا عميلا من الادارة الخاصة . بعضهم اختطف ثم رميت جثثهم المليئة بالرصاص في شوارع كريتر و الشيخ عثمان . هذه التكتيكات للمقاومة حققت التأثير المطلوب ، حيث كان نشاط المخابرات البريطانية في عدن مشلولا بالكامل ، لان السكان المحليين كانوا غير مستعدين للتعاون مع المحتل و اعوانه .
ثم بدأ العمل على قنص شخصيات بريطانية محددة مثلا في صباح يوم 4 سبتمبر 1965 اقتنصت المقاومة الوطنية رئيس الإدارة الخاصة هاري باري و قتلته في سيارته في أزقة كريتر . بعد خمسة ايام تكررت العملية مع آرثر تشارلز Sir Arthur Charles رئيس الجمعية التشريعية في عدن و عضو اللجنة العليا للخدمة المدنية . هذه الاغتيالات أرعبت البريطانيين الذين ادركوا أن ايا منهم يمكن ان يكون الضحية التالية . و اصبح الأوربيون سواء كانوا يرتدون الزي العسكري أم لا ، هدفا محتملا في شوارع عدن للهجوم بالقنابل اليدوية أو للقنص من الثوار .
هذا الخوف دفع السلطة البريطانية في لندن الى تغيير خططها في فبراير 1966 . حيث أكدت حكومة العمال في لندن ان اتحاد الجنوب العربي سوف يحصل على الاستقلال الكامل قبل بدية عام 1968 . و كذا عكس التصريحات السابقة بشأن الحفاظ على القاعدة العسكرية في عدن ، تقرر ان تغادر القوات البريطانية اراضي اتحاد الجنوب العربي تماما .
مواجهة الجنود البريطانيون للمقاومة الشعبية
شن البريطانيون غارات دورية بحثا عن مخابئ للأسلحة . و ألقي القبض على المشتبه بهم في أنشطة المقاومة الشعبية و ارسالهم إلى مراكز الاحتجاز في المنصورة و مراكز الاستجواب في مربط . و كانت أساليب الاستجواب التي استخدمها الجيش البريطاني في هذه المراكز كانت موضوع انتقاد شديد من منظمة العفو الدولية و الصليب الأحمر الدولي . و كثر النقد على أساليب الاستجواب و التعذيب خاصة بعد نشر مقابلة مع جندي بريطاني العريف جورج لينوكس في فبراير 1966 في صحيفة " صنداي تايمز " ، الذي تحدث عن ما يحدث في مراكز الاحتجاز من الضرب الوحشي للسجناء و إساءة معاملتهم . و كان على الحكومة البريطانية ان تشكل فريقا برلمانيا للتحقيق . لكن السلطات البريطانية رفضت السماح لخبراء مستقلين بدخول مراكز الاحتجاز . و عموما في هذه الفترة كانت الصحف البريطانية مليئة بصور الجنود البريطانيين الذين يجرون بقذارة المناضلين و منهم قصر من رقابهم . هكذا امتلأت الصحف بصور الجنود البريطانيين الوقحين ، الذين عاملوا اليمنيين بطريقة لا إنسانية . و تحدثت منشورات الجبهة ايضا عن فظائع الجنود البريطانيين في عدن .
عشية الاستقلال 30 من نوفمبر 1967
في يناير 1967 اندلعت اعمال الشغب بين انصار جبهة التحرير و الجبهة القومية في عدن و استمر هذا الشغب حتى منتصف شهر فبراير 1967 على الرغم من تدخل القوات البريطانية . اضف الى هذا كانت الروح المعنوية بين قوات الأمن الاتحادية في ادنى مستوياتها على الاطلاق . هذا الاحباط ادى الى تمرد في جيش الاتحاد و الشرطة الاتحادية في 20 يونيو 1967 . قتل المتمردون ثمانية جنود من فيلق النقل الملكي البريطاني عندما تم اطلاق النار من قبل المتمردين على شاحنتهم . بعدها استعادة القوات البريطانية النظام . عندما اقترب موعد انسحاب القوات البريطانية في نوفمبر 1967 ، نشب القتال بين جبهة التحرير و الجبهة القومية . في الاسبوع الاخير من شهر نوفمبر 1967 ، تم إجلاء الـ 3500 رجل من المتبقيين من الحامية البريطانية . و بعدها اصبحت مستعمرة عدن و حكومة الاتحاد و جيش الاتحاد جزء من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .
فما احوجنا اليوم امام عظمة هذه المناسبة ، ذكرى الاستقلال من إعادة بناء منظومة القيم و الاخلاق التي دمرها الاستعمار السعودي ــ الإماراتي ، و تعزيز الولاء الوطني في نفوس الجميع و استشعار المسؤولية الوطنية و الحفاظ على وحدة الصف الوطني بين قوى الحراك السياسي الجنوبي . و تغليب مصلحة الوطن و الدفاع عن ارضنا و شعبنا و دحر مشروع الاستعمار السعودي ــ الإماراتي الذي يسعى الى تمزيق الحراك السياسي الجنوبي عبر شراء الذمم و تمرير اتفاق الرياض و فرض الاستعمار الجديد الذي لا يختلف عن ذلك الاستعمار القديم ، البريطاني . و علينا ان نتهيأ لحرب تحرير اخرى إذا اضطر الأمر ذلك .
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار عاشت اليمن الجنوبية حرة و مستقلة