عوالم «علي الجاك» و«ثاني السويدي»

الاثنين 20 يوليو 2020 7:23 م

في تجربة العمل الصحفي ـ طالت أم قصرت ـ تنقضي الأعمار، وتتلبّد سماء العلاقات بين العاملين في هذا المجال، ويبلغ التنافس ذروته، وتدق أحياناً طبول الحرب فيه لأسباب حقيقية أو واهية، وقد لا تضع الحرب أوزارها حتى بعد أن تؤول الأمور والمناصب والمسؤوليات لفريق جديد، ومع هذا كله، فإن تلك التجارب بحلوها ومرها تظل محفوظة في الذاكرة، لكن قليلاً منها ترويه الكتب، ذلك لأن الصحفي يقضي عمره يكتب عن كل قضايا الناس حتى إذا ما رحل ذُكر لأيام معدودات، ثم لم نعد نسمع للآخرين عنه ذكراً.

هنا، يكون من الواجب العودة إلى تجربتي الرّاحِلَيْن الفنان السوداني علي الجاك (توفي في 25 فبراير 2020)، والأديب الإماراتي ثاني السويدي (5 يوليو 2020)، لأسجل هنا جوانب من تواجدي معهما في فضاء واحد، هو جريدة «الاتحاد»، حيث لاحظت أن لكل منهما عوالم ذات طابع وجودي.

بالنسبة لـ«الجاك»، فقد لا حظت أن تعامله مع الكتب لجهة تصميم أغلفة لها، ينتهي بالغوص في أفكارها ولكنه لا يغرق، ويتعلق بالغيب إبداعاً ولكن لا يتجاوزه من حيث مضمونه القيمي، ويُحدث نقاشاً مع النصوص، حتى ينتهي بها ومعها إلى تشكيل صارخ ومعبر، أما تلك التي أنتجها في «مفرمة» الصحافة اليومية فلا حديث عنها، وتلك التي عرفته من خلالها، وهي عوالم يومية بِنْت عصرها وزمانها، وأيضاً تُلبِّي متطلبات المواقف السياسية والاجتماعية.
محمود العوضي


أما ثاني السويدي، فهو متعدد المواهب ومجدد في الشعر وفي القصة، لكنه أيضاً مبدع في العمل الصحفي، خاصة في مجالات التحقيقات، ومن يعود إلى أرشيف جريدة الاتحاد ـ وهو لم يعمر فيها طويلاً ـ فسيجد أن ما قدمه ثاني السويدي من تحقيقات ميدانية لجهة تناوله لمختلف القضايا يشكل كنزاً معرفياً، ويرسخ تقاليد في العمل الصحفي، بل إنه يكشف عن المهم في قضايا الناس، وقد كان السويدي مولعاً بها إلى أبعد الحدود.

بعد هذا وجب القول: إن عوالم علي الجاك وثاني السويدي شكّلت أفقها البعيد في فضاء إماراتي حر، لم ندرك بعد كنهه ومغزاه، مثلما لم نعرف بعد أهمية العمل الصحفي.. إنه يا سادة مهنة وحرفة معاً، فلا تُغَلِّبُوا الأولى على الثانية.. رحم الله الجاك والسويدي، فقد وزعا بيننا البسمة في حياتيهما، وتركانا بعد رحيلهما نسبح في فضاء عوالمهما.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر