صحيح ما ذكره المستشرق الإسرائيلي يارون فريدمان من معهد التخنيون بجامعة حيفا . ان التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد نجح في البداية ، بوقف تمدد الحوثيين باتجاه الجنوب . و إبعاد قواتهم من السيطرة على الميناء الاستراتيجي في عدن . ونجحت السعودية بمنع حلفاء إيران من وضع يدهم على مضيق باب المندب . لكن مع مرور الوقت اتضح بشكل جلي للحلفاء أن السعودية تواجه فشلا و إخفاقا عميقين . بعدها بدأت أطراف من التحالف بالانسحاب تدريجيا منه ، واحدة بعد الأخرى . لأن أيا من هذه الدول لا تريد أن تكون جزءا من الفشل الذي يتبدى أمام الجميع . لا سيما بعد ازدياد حدة النقاش في العالم العربي حول مدى مصداقية الحرب الجارية في اليمن .
النقاش حول مدى مصداقية الحرب الجارية في اليمن لا يقتصر على العالم العربي فقط ، بل يشمل الكيان الإسرائيلي ايضا . كتب الباحث الإسرائيلي عاموس هاريل Amos Harel على موقع هآرتس Haaretz الإسرائيلي ما يلي : ان ظهور التصدع في التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن ، الذي اسسته الولايات المتحدة لمواجهة إيران إنه شئ فضيع و أسوأ خبر بالنسبة لإسرائيل . ان قرار الإمارات بتعليق مشاركتها في الأعمال العدائية ضد اليمن ، ينتهي بفشل كل خطط و طموحات المملكة العربية السعودية في اليمن . النتيجة نراها الآن واضحة ، بعد ان توقفت العمليات العسكرية الإماراتية في اليمن . فشلت المملكة العربية السعودية في لم شمل حلفائها في عدن ، تطبيقا لقرارات قمة الرياض 5 نوفمبر 2019 .
ان اتفاق الرياض لم يمنع من تصاعد التوتر في المحافظات الجنوبية و الاتجاه في معركة فاصلة بين شركاء الاتفاق ، في ظل حالة الإستنفار بين قوات حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ، و قوات المجلس الانتقالي الجنوبي – عيدروس الزبيدي . الخلافات زادت التوجس بين الطرفين في ظل غياب الثقة بينهما ، هذا أسهم بدوره في تعقيد عملية تنفيذ بنود الاتفاق على الارض " صحيفة الأيام اليمنية " . الآن نستطيع ان نقول و بكل ثقة ان المملكة العربية السعودية عمليا تنزلق أكثر فأكثر في مستنقع اليمن . بينما أنصار الله مستمرة في تسجيل أعظم إنجازات لها . هذا ما أكده وزير الدفاع لانصار الله اللواء محمد ناصر العاطفي لصحيفة المسيرة بأن قواته قد " أكملت جميع جوانب الاستعداد العسكري لتأهيلها لشن هجوم استراتيجي يؤدي إلى شلل قدرات الأعداء " . هذا التصدع بين قوات التحالف المعادي لليمن يعتبر مؤشرا خطيرا يجلب القلق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب و صديقه المقرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو .
تشعر إسرائيل انها الآن متورطة في النزاع اليمني ، و هذا ماتحدث عنه الصحفي الإسرائيلي البارز ران إديليست المعلق في صحيفة " معاريف " للشؤون الأمنية في تحليل له نشر على موقع الصحيفة على الإنترنت في أغسطس 2019 يقول فيه " تل أبيب تبرر تدخلها في النزاع الدائر في اليمن بحجة الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر و مضيق باب المندب ، " مؤكدا أن " الحقيقة هي أن التدخل الإسرائيلي في المشهد اليمني كان يهدف إلى دعم المملكة العربية السعودية في هجومها على الإيرانيين و قتل الحوثيين " .
شكك ران إديليست في مزاعم تل أبيب بأن التدخل في اليمن كان يهدف إلى المساهمة في تأمين مضيق باب المندب و حماية الملاحة البحرية المدنية الإسرائيلية في البحر الأحمر . و قال إن إسرائيل " تنطلق من افتراض أن زيادة ظهورها في البحر الأحمر و مضيق باب المندب يمكن ان يمثل عامل رادع لمنع الحوثيين من استهداف الخط التجاري بين إسرائيل و جنوب شرق آسيا . و يوضح الصحفي ران إديليست أكثر حول التدخل الإسرائيلي في اليمن بسؤاله : " هل تقلصت المشكلات الأمنية في إسرائيل إلى حد يجعلها تشعر بالقلق إزاء تداعيات تطور الأحداث في اليمن ؟ " . " ليس هناك ما يشير إلى أن قوات الحوثيين يمكن أن تهدد المصالح الإسرائيلية " . و حث إديليست القيادة الإسرائيلية الحالية على " التعلم من أخطاء أسلافها الذين تدخلوا عمدا في المشاهد الإقليمية بطريقة لا تخدم مصالح تل أبيب " . ووصف التدخل في اليمن بأنه سلوك " صبياني " ، مذكرا أن " إسرائيل بررت في السابق تدخلاتها في المشاهد الإقليمية ، بناء على وجود معلومات مخابراتية سرية " . هذه عادة متبعة عند حكومات الكيان الصهيوني لتبرير همجيته و عدوانيته على الدول العربية ، بأنها مبنية على معلومات مخابراتية سرية . على سبيل المثال ذلك التحذير الذي أطلقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أكتوبر 2019 من أن إيران تسعى لتطوير و نشر أسلحة موجهة يمكنها ضرب أي نقطة في الشرق الأوسط ، بما في ذلك وضعها في اليمن لضرب إسرائيل timesofisrael.com .
ان دوافع الخوف الذي يهيمن على المسؤولين الإسرائيليين سببه هو الإنتصارات الأخيرة لحركة أنصار الله و ظهور طلائع لتحالفات جديدة خارجة عن اطار الهيمنة السعودية ــ الأماراتية في اليمن . و قد اعترف المسؤولين في تل أبيب بالهزيمة للمملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و الولايات المتحدة في الحرب على اليمن . و ما قد تسببه هزيمة التحالف السعودي ــ الإماراتي على تل أبيب عندما يهيمن أنصار الله على مضيق باب المندب و ما قد يترتب عليه من إغلاق المضيق في وجه إسرائيل ، هذا سوف يسبب مشاكل اقتصادية خطيرة عليها . على هذا الاساس تضاعفت المخاوف الإسرائيلية حول إمكانية إغلاق مضيق باب المندب في البحر الأحمر .
بناءا على هذا نقول ان المواجهة الإسرائيلية ضد إيران و اليمن ، لم تكن سهلا . و كل يوم تصبح أكثر تعقيدا . بالاضافة الى مقتل الصحفي جمال خاشقجي بالاسلوب السعودي المتوحش و الدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني – السعودي – الإماراتي – الأمريكي في اليمن ، مع ضعف الجبهة الداخلية في إسرائيل ، و الصراع السياسي بين الحزبين الأمريكيين الجمهوري و الديمقراطي و الوضع القانوني السيء الذي يعيشه ترامب و نتنياهو حتما هذه الاحداث بمجملها سوف تقود الحلف الأمريكي ــ الصهيوني الى الهزيمة امام قوى المقاومة .
كاتب و محلل سياسي يمني