إيران تريد حدودا مفتوحة
يخشى عراقيون من أنّ بلدهم بصدد التورّط في مواجهة غير متكافئة مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران وتطالب الدول بالالتزام بتطبيقها.
ولا تعلن بغداد إلى حدّ الآن استعدادا لتطبيق تلك العقوبات وتحاول الحصول على استثناء أميركي منها، بفعل الحاجة إلى إيران، وخصوصا في ما يتعلّق باستيراد الغاز الطبيعي المستخدم في توليد ما يقارب نصف الطاقة الكهربائية المنتجة في العراق.
ويعترف الجميع بوجود إشكالات حقيقية في قطع المعاملات التجارية والعمليات المالية بين العراق وإيران بشكل مفاجئ أو تخفيضها بشكل حادّ، لكنّ البعض يحذّر في الوقت ذاته من أنّ طهران تستغلّ تلك الحاجة لتجعل من الساحة العراقية بوابة لخرق العقوبات الأميركية ضدّها، وهو ما لن تسمح به إدارة ترامب الحادّة في مواقفها وتعاملها حتى مع حلفاء أكبر وشركاء أهم لدى واشنطن من العراق.
ويقول سياسيون وقادة رأي عراقيون، إنّ رفض الالتزام بالعقوبات على إيران، ليس دائما بدوافع مصلحية وموضوعية، لكن توجد وراءه أيضا دوافع سياسية وعلاقات ولاء بين عدد من كبار قادة الأحزاب والكتل العراقية وطهران.
ويلفت هؤلاء إلى عمل البعض على تكريس الارتباط، وحتى تبعية العراق لإيران في بعض الجوانب مثل موضوع الطاقة الكهربائية بدل البحث عن بدائل وهو أمر متاح.
وعلى الطرف المقابل تعمل إيران على تضخيم أهمية التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع العراق، وإغداق الوعود بتنميته. وقال السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي إنّ بلاده تطمح الى رفع مستوى التبادل التجاري مع العراق من عشرة مليارات إلى عشرين مليار دولار سنويا.
وكان السفير يتحدّث في ملتقى اقتصادي عراقي إيراني مشترك عُقد، الأحد في البصرة بجنوب العراق، بمشاركة مستثمرين وتجار من البلدين، قائلا إن “الحدود المشتركة بين إيران والعراق تمتد بطول 1400 كلم، وهي حدود آمنة، ولدينا عشرة منافذ حدودية فعالة مع العراق تمر يوميا من خلالها مئات الشاحنات”.
الارتهان العراقي للغاز الإيراني في توليد الطاقة الكهربائية يمنع بغداد من الالتزام بالعقوبات الأميركية
وكثيرا ما نظر العراقيون إلى الحدود الطويلة بين بلدهم وإيران، باعتبارها مدخلا لمضارّ كثيرة للبلد بدل أن تكون مصدرا للمنافع. فعبر تلك الحدود تمرّ كميّات هائلة من السلع رخيصة الثمن والمقلّدة وغير المستجيبة لأي من المواصفات والمقاييس الصحية وغيرها. ولا تكاد الدولة العراقية تجني شيئا من تلك السلع التي تمرّ تهريبا دون استخلاص أي ضرائب ومعاليم جمركية عليها.
وعبر الحدود ذاتها تمرّ كميات كبيرة من المخدرات بمختلف أنواعها بما في ذلك الحبوب المخدّرة التي تنتج على نطاق واسع داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما يفسّر الغرق المتزايد للساحة العراقية بالمواد المخدّرة.وفي الاتجاه العكسي يتمّ تهريب النفط والكثير من السلع وقطع الغيار والمعدّات رغم أنّها مستوردة بأموال الدولة العراقية ومجّهة نحو الاستخدام محلّيا.
ويعتبر ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية، وخصوصا مع إيران أحد الملفاّت المطروحة من وجهة نظر أمنية، من زاوية ما يتسرّب عبرها من مخاطر، ومن وجهة نظر سياسية واقتصادية، باعتبار القضية جزءا من الفساد المستشري على نطاق واسع في مفاصل الدولة العراقية، إذ أنّ أحزابا وميليشيات تشارك عبر أذرع لها في الأجهزة الأمنية والإدارية في مسك المنافذ والتحكّم بما يمرّ عبرها والاستفادة من عوائدها.
وذكّر مسجدي بأن لبلاده سفارة وخمس قنصليات في العراق “تسعى كلّها جاهدة لتعزيز التعاون والتواصل”، قائلا “الاقتصاد يكتسب أهمية كبيرة في العلاقات بين الدول، ونعتقد أن العراق يحتاج إيران، وإيران تحتاج العراق”.
وسبق للسفير الإيراني أن أشار إلى سعي الحكومة العراقية إلى استقطاب استثمارات أجنبية لتنفيذ 1200 مشروع بقيمة 100 مليار دولار، قائلا إنّ 79 شركة إيرانية تعمل في العراق لإنشاء محطات الطاقة والمصافي والفنادق والملاعب والأحياء السكنية بقيمة 8 مليارات دولار.
وغالبا ما تركّز إيران على الحاجة العراقية إلى الحثّ على كسر العقوبات. ويقول مسجدي إنّ “العراق بحاجة إلى الكهرباء والمواد الغذائية والمواد الصناعية الإيرانية، وفي حال تمّ وقف الصادرات من إيران فإن الحكومة والشعب العراقيين سيواجهان مشاكل عديدة، ولن تقتصر المشاكل على طهران لوحدها”.
ويرفض رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الالتزام بتنفيذ العقوبات على إيران، لكنّه يأمل في الحصول على استثناء طوعي من قبل الولايات المتحدة. وأعلن مؤخّرا عن نيّته إيفاد بعثة إلى واشنطن لمناقشة الموضوع.