بمساحة 200 ملعب كرة قدم.. العثور على مدينة مفقودة في سهول آسيا الوسطى.
في كشف أثري مذهل يعيد كتابة تاريخ الحضارات القديمة في آسيا الوسطى، أماط فريق دولي من علماء الآثار اللثام عن مدينة "سيمياركا" الضخمة والمتطورة، التي تعود إلى العصر البرونزي وتقبع في سهول شمال شرق كازاخستان بالقرب من نهر إرتيش.
ويُعد هذا الاكتشاف، الذي قاده باحثون من "كلية لندن الجامعية" وجامعة "دورهام" البريطانيتين بالتعاون مع جامعة "تورايغيروف" الكازاخستانية، نقطة تحول جذرية في فهمنا لطبيعة الحياة في تلك الحقبة (حوالي 1600 قبل الميلاد). فقد ساد الاعتقاد لعقود طويلة بأن سكان هذه المنطقة كانوا مجرد بدو رحل أو عاشوا في تجمعات سكنية صغيرة وبسيطة.
أكبر من 200 ملعب كرة قدم أظهرت التنقيبات أن "سيمياركا" لم تكن مجرد مستوطنة عابرة، بل مدينة حضرية متكاملة تمتد على مساحة شاسعة تتجاوز 100 هكتار (ما يعادل مساحة 200 ملعب كرة قدم). وتكشف الآثار عن تخطيط عمراني متقن يضم شوارع منظمة، ومنازل واسعة، وحصوناً دفاعية تشمل جدراناً ترابية عالية وخنادق، تتوسطها قلعة حصينة.
منطقة صناعية وشبكة تجارة دولية المفاجأة الأكبر لم تكن في حجم المدينة فحسب، بل في تطورها الصناعي. فقد عثر العلماء على "منطقة صناعية" متكاملة تضم مصانع وورش تعدين، مما يشير إلى تخصص وظيفي دقيق داخل المدينة.
وأثبتت الأدلة أن سكان "سيمياركا" امتلكوا تقنيات متقدمة للغاية؛ إذ لم يكتفوا بصهر النحاس المستخرج من جبال "ألتاي" المجاورة، بل نجحوا في إنتاج "البرونز الممزوج بالقصدير" على نطاق صناعي واسع. وهذا يدحض النظريات السابقة التي استبعدت وجود مثل هذه الصناعات لعدم توفر المواد الخام محلياً، حيث تبين أن الحرفيين القدماء أقاموا طرقاً تجارية معقدة وطويلة لجلب القصدير من عمق آسيا الوسطى، مما يعكس وجود شبكة علاقات اقتصادية عابرة للحدود قبل آلاف السنين.