الدائرة تضيق على عباس
بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة زيارة إلى تركيا تستغرق ثلاثة أيام، في ضيافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى على ما يبدو إلى إيجاد منفذ للملف الفلسطيني من خلال السلطة الفلسطينية، بعد خيبة أمله من حليفته حماس.
وذكرت وكالة “الأناضول” التركية أن زيارة عباس تأتي استجابة لدعوة من الرئيس أردوغان، حيث سيتم خلالها البحث في أفق العلاقات الثنائية، والتطورات في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والمصالحة الفلسطينية، ومسألة الانتخابات.
ويرى مراقبون أن اختيار عباس هذا التوقيت لتلبية دعوة أردوغان لا يخلو من رسائل سياسية في ظل الأزمات التي تحاصره في الداخل، وفتور علاقته بمصر، التي لم تعد تخفي تبرّمها من طريقة تعاطي الرئيس الفلسطيني، ومسايرته غير المقبولة للدائرة الضيقة المحيطة به، وهو ما ترجم في عزوف القاهرة عن توجيه أي دعوة له على مدار الأشهر الماضية، على الرغم من أنها الممسكة حاليا بملفي المصالحة الفلسطنية والتهدئة مع إسرائيل.
ويواجه الرئيس محمود عباس أزمة مزدوجة في غياب أي شرعية لاستمراره على رأس السلطة وتآكل شعبيته التي تعمّقت بعد وفاة الناشط المعارض نزار بنات الشهر الماضي، حيث تتهم
عائلته والمقربون السلطة بالتسبّب في وفاته.
وكان نزار بنات توفي بعد ساعات قليلة من اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية في منزله بالضفة الغربية، وقد تم تشخيص أثار تعذيب عل جسده. وأثارت الحادثة موجة غضب في الشارع الفلسطيني وسط مطالبات لعباس بالرحيل، وانتقادات من قبل القوى الغربية التي لطالما أبدت دعما ومساندة للسلطة.
أيمن الرقب: الرئيس محمود عباس يعوّل على دور تركي للضغط على حركة حماس
وإلى الآن لم تصدر أي نتائج عن التحقيق الذي فتح بشأن وفاة بنات، فضلا عن ذلك تمادت السلطة الفلسطينية في قمعها للأصوات الداعية إلى الكشف عن الحقيقة، حيث جرى اعتقال العديد من النشطاء خلال الأيام القليلة الماضية.
وفي خضم هذه الأزمة يواجه عباس تحديا إضافيا مرتبطا بموقف حركة حماس الرافض لمنح السلطة الفلسطينية أي دور في ملف إعادة إعمار غزة، وإصرارها على موقفها لجهة إجراء انتخابات عامة وإعادة هيكلة منظمة التحرير، قبل البحث في أي خطط لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وكان عباس يطمح للعودة إلى القطاع من بوابة إعمار القطاع، لكن الحركة ترفض منحه هذا الامتياز، وتصرّ ليس فقط على الإمساك بمفردها بهذا الملف، بل وأيضا تعمل لفرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية من خلال استغلال الغضب الشعبي على السلطة.
ويرى محللون أن عباس يراهن من خلال زيارته إلى أنقرة على تدخل تركي لفرملة اندفاعة حماس وطموحاتها، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت أنقرة فعلا قادرة على ذلك.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، إن الرئيس عباس يعوّل على دور تركي للضغط على حركة حماس من أجل تشكيل حكومة وحدة قبل التوجه نحو المؤتمر الدولي للسلام، والمتوقع عقده قبل نهاية العام الجاري، ويستهدف تحريك ملف المفاوضات السياسية الجامدة منذ فشل اجتماعات القاهرة.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن عباس يسعى إلى الاستفادة من الانفتاح التركي على مصر والسعودية لتدعيم علاقاته مع الرئيس أردوغان وتوظيف تلك العلاقة لتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع أنقرة في فترات سابقة، وآخرها الاتفاقية الموقّعة الشهر الماضي والتي تضمنت تبادل المعلومات الاستخباراتية والتقنيات التشغيلية لمكافحة الإرهاب.
وأشار أيمن الرقب إلى أن تركيا في المقابل ستكون أكثر حرصا على تدعيم علاقتها مع السلطة الفلسطينية للتعامل مع مسألة استبعادها من مشاورات الحلّ السابقة التي قادت إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتشكل الزيارة بالنسبة إليها خطوة مهمة للإمساك بعلاقات قوية مع كافة الأطراف الفلسطينية.
وأبدت أنقرة تذمّرا من طريقة تعاطي حماس معها خلال الحرب الأخيرة وما بعدها في غزة، حيث شعرت تركيا بأن الحركة تعمّدت تجاهلها وحصر ملف الوساطة بينها وبين إسرائيل في غريمتها مصر.
وكانت القاهرة لعبت الدور الأساس في وقف إطلاق النار في غزة بعد أحد عشر يوما من القتال.
وتسعى القاهرة اليوم جاهدة إلى تثبيت إطلاق النار، مع دفع خطط إعادة إعمار غزة قدما، بيد أن جهودها تواجه مطبات كثيرة على ضوء مواقف حماس المتصلّبة وسياسات عباس المتخبّطة والتشدد الإسرائيلي في ظل حكومة جديدة ترفض تقديم أي تنازل للفلسطينيين سيحسب عليها أمام الرأي العام الداخلي.