أزمة سد النهضة والعلاقات العربية ـ الأفريقية

الجمعة 09 يوليو 2021 7:06 م

في نهاية مقالنا السابق حول أهمية تفعيل العلاقات العربية الأفريقية تساءلنا هل أزمة النهضة ستحول دون إمكانية تفعيل العلاقات العربية الأفريقية، أم أن الأزمة قد تشكل عكس ذلك مدخلاً جديداً لتفعيل العلاقات العربية الأفريقية؟ ومن هي الأطراف العربية التي بمقدورها تحقيق ذلك والمساهمة في تطويق صفحة التوتر السائد حالياً في العلاقات بين مصر والسودان وإثيوبيا؟ وهل هذه الجهود ستثمر في إطار العلاقات الثنائية بين إثيوبيا والأطراف العربية الأخري، أم على مستوى التنظيمات الإقليمية سواء في إطار الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية أو عبر تدويلها من خلال مجلس الأمن الدولي؟

تتمثل أزمة سد النهضة ببناء إثيوبيا السد على النيل الأزرق (الرافد الرئيسي لنهر النيل) منذ عام ووصلت العمليات الإنشائية به لنحو في المائة، وتصر إثيوبيا على المضي قدماً من جانب واحد في الملء الثاني لخزان السد مع بدء موسم الأمطار في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وهي الخطوة التي من المتوقع أن تؤثر سلباً وتشكل خطورة على الأمن المائي في دولتي المصب مصر والسودان التي تبلغ في الجانب المصري حصتها السنوية . مليار متر مكعب تعتمد عليها بأكثر من في المائة في سد احتياجاتها المائية، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب.

وقد أدى تعنت الموقف الإثيوبي إلى قيام كل من مصر والسودان بجهود مكثفة في التحرك الدبلوماسي على مختلف المستويات الإقليمية والدولية بغرض إرغام أديس أبابا على التراجع عن مواقفها المتصلبة.

ويجب الاعتراف بأن مصر والسودان منذ بداية الأزمة مع إثيوبيا حول سد النهضة سعتا إلى معالجة الخلافات بينهما في إطار الاتحاد الأفريقي وأحسنتا في مطلع الأزمة بعدم طلب الجامعة العربية مساندتها في خلافها مع إثيوبيا، حتى لا يبدو ذلك نوعاً من المواجهة العربية مع أفريقيا السمراء، برغم أن الدول العربية في الاتحاد الأفريقي تشكل أقلية عددية دول من أصل عضواً، وإن كان ثلثا العرب هم أفارقة، ويمثلون دول الساحل الشمالي لأفريقيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

وبنفس المنطق لم تتطرق اجتماعات الجامعة العربية المشتركة مع الاتحاد الأفريقي إلى موضوع أزمة سد النهضة إلا بشكل مقتضب، كما جاء في بيان الاجتماع التاسع في الأول من فبراير (شباط) بمقر الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة، تحت رئاسة مشتركة لكل من أحمد أبو الغيط، أمين الجامعة العربية، وموسى فقيه محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، الذي استعرض فيه الجانبان الجهود التي بذلت حتى تاريخه في سبيل تنفيذ مقررات القمة العربية الأفريقية الرابعة التي عقدت عام في غينيا الاستوائية... وتطلع الجانبان إلى انعقاد القمة الخامسة في الرياض في المملكة العربية السعودية.

وأشار البيان بقدر من التفاصيل «حول مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل الأزمة الليبية، ودعم السودان في عملية انتقاله السياسي، والوقوف مع الصومال، واستعرض مجمل الأوضاع في القرن الأفريقي.

كما «تم تبادل الرؤى حول التطورات على الحدود بين السودان وإثيوبيا، وسير مفاوضات السد الإثيوبي، التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، وتسوية الخلافات القائمة بين الصومال وكينيا.

وقد حصلت القضية الفلسطينية في البيان على التأييد الصريح من دون استخدام عبارات فضفاضة مثل القضايا السابقة بتأكيد السيد فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «على ثبات موقف الاتحاد في مناصرة فلسطين والقضية العادلة للشعب الفلسطيني إلى أن ينال حريته وتقام الدولة الفلسطينية المستقلة «واتفق الجانبان على عقد الاجتماع العاشر خلال عام في أديس أبابا.

ومما يؤسف له أن مواعيد اجتماعات انعقاد القمم العربية الأفريقية متباعدة حيث عقدت القمة الأولى في القاهرة في عام - تلتها قمة «سرت» في ليبيا عام وقمة ثالثة في الكويت عام وانعقاد القمة الأخيرة في غينيا في وينتظر انعقاد قمة الرياض التي أجلت عن انعقادها في الموعد المخطط لها بسبب جائحة (كوفيد - ) وربما أيضاً لأسباب متعلقة بأزمة سد النهضة.

شهدت العلاقات السعودية مع الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً، حيث تتمتع المملكة برصيد كبير لا سيما لدى دول القرن الأفريقي ما مكنها من بناء شراكة أمنية واستراتيجية واقتصادية قوية معها، وشرعت السعودية في تنفيذ الكثير من المشاريع الثنائية مع عدد من بلدان القارة السمراء على غرار تدشين محطة طاقة شمسية في جنوب أفريقيا بلغت قيمتها نحو مليون دولار في عام .

وامتداداً لهذا الاهتمام عينت المملكة العربية السعودية، السيد أحمد عبد العزيز القطان وزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية (الذي كان سفيراً للسعودية في مصر ومندوباً دائماً لدى الجامعة العربية في القاهرة.

وفي مطلع فبراير الماضي أثناء زيارة الوزير إلى الكونغو صرح أن بلاده ستستضيف قريباً قمتين الأولى سعودية - أفريقية، والثانية قمة عربية أفريقية كان من المقرر أن تعقد في أبريل (نيسان) الماضي، ولكن أجلت بسبب ظروف جائحة «كورونا»، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.

وزار الوزير السعودي في فبراير ذاته دولة السودان والتقى برئيس الوزراء عبد الله حمدوك في إطار مواصلة مساعي بلاده لإنهاء ملف سد النهضة الشائك «حسب تعبيره بالشكل الذي يضمن حقوق الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا».

وكان لافتًا للنظر في مطلع يونيو (حزيران) الماضي الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى الرياض، واستقباله من قبل وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، وجرى خلال الاستقبال مناقشة أبرز مستجدات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، واستعراض جهود السعودية في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، وما تقدمه السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في القارة الأفريقية.

من جانبه قام الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي بزيارة لجيبوتي في مايو (أيار) الماضي وهي الزيارة الأولى لرئيس مصري، كما أشار إلى ذلك الدكتور حسن أبو طالب في مقاله في هذه الصحيفة بحكم موقعها الجغرافي على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب الممر المتحكم في البحر الأحمر من جهة الجنوب، حيث تمثل عنصراً حاسماً بالنسبة لقناة السويس.

وعودة إلى نشاط الوزير السعودي أحمد القطان في أفريقيا السمراء قد تكون الزيارة التي قام بها لإثيوبيا في يونيو الماضي هي الأولى التي يقوم بها وزير عربي خارج دول النزاع الثلاث للقاء رئيس الوزراء آبي أحمد لاستعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية السعودية، وتلا ذلك بعدها بأيام قليلة انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة في يوم الثلاثاء يناير (كانون الثاني) الماضي لبحث آخر تطورات قضية سد النهضة مع تعثر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأكدت مصر على لسان وزير خارجيتها سامح شكري «أهمية التضامن العربي» في القضية التي تصفها بـ«الوجودية».

وما يمكن استنتاجه أولياً من سرد تلك الوقائع أن دول أفريقيا السمراء تربطها علاقات وثيقة بالدول الخليجية العربية وعلى رأس القائمة المملكة العربية السعودية، بحكم مكانتها الجغرافية بمحاذاة القرن الأفريقي، وبحكم مكانتها الدينية بوجود الأراضي المقدسة فيها والتي من هذا المنطلق رسالتها نحو مسلمي أفريقيا ستحدث وقعاً خاصاً لدى كثير من مسلمي إثيوبيا وبقية أنحاء القارة.

ولعل بالإمكان استغلال جائحة «كورونا» بأن تقوم السعودية بتغطية جانب من احتياجات أفريقيا، على ضوء ما ذكر عن استعداد المملكة بأن تكون مركزاً إقليمياً لإنتاج لقاح فيروس «كورونا» وبذلك تسهم في حل أزمة إمدادات اللقاح إلى أفريقيا.

وموازاة لهذا الاتجاه فإن استمرار تكثيف الدبلوماسية العربية عند انعقاد جلسة مجلس الأمن الخميس القادم يجب عدم فقد الرؤية بأهمية الأمن المائي لدول المصب، مع ضرورة تفعيل العلاقات العربية الأفريقية وكلاهما يمثل أهمية للأمن القومي العربي.

التعليقات