مظاهرة بالجزائر تطالب بالتغيير الجذري
تمر، اليوم الإثنين، الذكرى الثانية لاندلاع الحراك الشعبي الذي أطاح قبل عامين بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وإن اختلفت هذا العام وسائل تعبيره، إلا أن الحراك الشعبي بالجزائر لايزال مصرا على مطالبه بالتغيير الجذري، وسط استمرار حالة الانقسام بداخله إزاء أولويات المطالب، وهي الانقسامات التي ازدادت بعد تصاعد حدة التحذيرات من اختراق إخواني للمظاهرات.
ومنذ العام الماضي، أقرت السلطات الجزائرية 22 فبراير/شباط "عيدا وطنياً"، وأطلقت عليه تسمية "اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب والجيش من أجل الديمقراطية"، بعد أن تميزت مظاهرات 2019 بشعارات داعمة للجيش كان من أبرزها "الجيش شعب خاوة خاوة (إخوة)".
الهدوء كان سيد الموقف في شوارع العاصمة قبل منتصف النهار، وهكذا بدا الوضع، قبل منتصف النهار، قبل أن تصدح أصوات متظاهرين للمرة الأولى بالعاصمة منذ نحو عام انطلقت من ساحة أول ماي متجهة صوب البريد المركزي.
المتظاهرون رددوا الشعارات التقليدية للحراك الشعبي أبرزها "دولة مدنية وليست عسكرية"، شارك بها شباب ونساء وأطفال.
وتزايدت أعداد المتظاهرين بعد ذلك، حيث تجمعوا في ساحة "البريد المركزي" التي تعد من أبرز ساحات حراك الجزائر ويصفها النشطاء بـ"أيقونة الحراك"، مرددين شعارات تدعو للتغيير الجذري ومؤكدين على استمرارية الحراك الشعبي إلى غاية تحقيق جميع مطالبه.
من جانب آخر، اعتقل الأمن الجزائري عددا من شباب الحراك منذ الساعات الأولى لصباح الإثنين، بحسب مصادر حقوقية.
وشهدت العاصمة إجراءات أمنية مشددة في معظم مداخلها وشوارعها الرئيسية، تحسباً لأي محاولات اختراق أو عنف.
كما أقامت الشرطة حواجز أمنية في الشوارع الكبرى لتحديد مسار المظاهرات، وسط اصطفاف كبير لسيارات الشرطة وعناصرها، وظلت طائرات الهليكوبتر التابعة للشرطة تجوب أجواء العاصمة لمراقبة الوضع.
خطر داهم
ومن أبرز ما ميز الذكرى الثانية لحراك الجزائر، هو استباقها بـ"وابل من التحذيرات" الرسمية والشعبية مما يعتبرونه "خطورة الوضع، ومؤامرة تحاك ضد البلاد من أطراف داخلية وخارجية"، محذرة في سياق من "مخطط ثورة مسلحة نسجه تنظيم الإخوان الإرهابي" عبر فروعه الثلاثة بالجزائر.
وهم التنظيم الإرهابي المعروف بـ"القاعدة ببلاد المغرب العربي" الذي دعا لاستئناف الحراك، وحركة "رشاد" الإخوانية الإرهابية، وفلول "الجبهة الإرهابية للإنقاذ".
تحذيرات أجمعت في تفاصيلها على وجود مؤشرات لـ"تغير المعطيات الميدانية" في الشارع قد تقود إلى فوضى وعنف وانتهاء "عقد السلمية" الذي طبع الحراك الشعبي الجزائري لأكثر من عام.
ومن أهم التحذيرات الرسمية، تلك الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (الجامعات) التي أرسلت تعليمة لجميع مدراء الجامعات تحذرهم فيها "من حالة غاليان متوقعة" في الوسط الجامعي بالتزامن مع ذكرى الحراك، ودعتهم للتحرك بالتكفل بانشغالاتهم.
المؤسسة العسكرية بدورها أطلقت تحذيرات متتالية في الأسابيع الأخيرة، ووصفت الوضع بـ"المخاطر العظمى التي تتهدد البلاد"، قبل أن يضيف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مصطلحاً جديدا في خطابه الأخير الخميس الماضي، عندما تحدث عن "الحراك الشعبي الأصلي".
كلام تبون فسره المتابعون على أنه دق لناقوس الخطر من اختراق للحراك الشعبي لصالح أطراف متطرفة مثل حركة "الماك الانفصالية" أو التي لها باع طويل مع الإرهاب والذي يوصف بـ"ثالوث الإرهاب" في الجزائر.
تفسير وجد من يؤيده بين بعض الأحزاب المعروفة بمعارضتها لنظام تبون، بينها زبيدة عسول رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" التي أطلقت صيحة جديدة محذرة من "خطر إخواني داهم".
وحذرت من اختراق جماعة الإخوان للحراك وبأنهم "باتوا الخطر الأعظم على أمن الجزائر"، وقالت: "آن للحراك أن يتطهر من الإسلاميين (الإخوان) لأنهم أصبحوا يشكلون خطرا حقيقياً عليه وعلى البلاد بشكل عام".
ورغم توقعها عودة المظاهرات الشعبية بـ"قوة" على حد تعبيرها إلا أنها حذرت في المقابل من وجود "نوايا خبيثة للإسلاميين (الإخوان) الذين يحاولون تصدر المشهد"، وأبدت مخاوفاً من تكرر سيناريو التسعينيات عندما احتل أنصار "جبهة الإنقاذ" الإخوانية الساحات والشوارع وأعلنوا التمرد والعصيان المدني.
كما شهدت محافظات أخرى خروج العشرات في مظاهرات حاشدة إحياء لذكرى الحراك، خصوصاً في بجاية وتيزيوزو والبويرة وعنابة وتبسة وتلمسان، وسط تباين في المطالب المرفوعة بين الداعية للوحدة مع الجيش وأخرى تطعن في شرعية النظام القائم.
مطالب محققة ومؤجلة
وبعيدا عن أجواء التحذيرات، لازالت مطالب الحراك الشعبي تؤرق سلطات الجزائر، وتقسم النشطاء، في حالة سياسية يصفها المراقبون بـ"الغريبة والمبهمة".
فمن جهة، تقول السلطة الجزائرية إنها لبت مطالب الحراك منذ بداياته، بمحاسبة رموز نظام بوتفليقة، وتغيير دستوره وحل برلمانه، وبأن التغيير الجذري يكون عبر المؤسسات والسياسات والقوانين ولا يقتصر فقط على تغيير الأشخاص، كما قال تبون في خطابه الأخير.
بينما تدحض فئة من الحراك الرواية الرسمية، وأبدت إصرارا على مطالبها بأبرز شعار للحراك وهو "يرحلون جميعاً"، وعدم اعترافهم بنظام الرئيس عبد المجيد تبون وكل الخطوات السياسية التي اتخذها منذ توليه الحكم.
لكن فئة أخرى توصف بـ"الصامتة" يقول الخبراء إنها "الأغلبية" من الحراك الشعبي، ليست راضية عن الوضع القائم، ولم تختر الشوارع للتعبير عن آرائها، بل تراقب عن بعد.
ولعل مقاطعة أكثر من 85 % من الهيئة الناخبة لاستفتاء تعديل الدستور الذي نظم مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان دليلاً – وفق المراقبين – على اختبار شعبية ومدى نجاعة السلطة الجديدة التي خلفت نظام بوتفليقة.
وبين كل تلك التناقضات والروايات، لم يهدأ الوضع العام بالجزائر، رغم التنازلات المقدمة من أطرافه، وبقيت معها الطبقة السياسية تائهة بين سلطة وحراك أخرجها من معظم الحسابات السياسية، ومنها من بات ملفوظاً شعبياً مثل تيارات الإخوان التي تعيش حالة تخبط غير مسبوقة بعد احتراق كافة أوراق النفاق السياسي التي برعت في لعبها لنحو 3 عقود.
هل الجزائر في خطر؟
ووسط كم التحذيرات الجدية من خطورة الوضع، أصبح التساؤل الأكثر تداولاً بين السياسيين وبين شوارع البلاد، هل الجزائر في خطر؟ وهل لها القدرة على إفشال مخطط متعدد الجبهات؟ وأين تتجه البلاد على ضوء كل هذه المتغيرات الجديدة؟ أم أن للأمر علاقة بـ"رواية منفوخة" على حد وصف بعض الأصوات المعارضة.
الرأي المعارض
سفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" المعارض الذي كان من أبرز الشخصيات السياسية التي وقفت ضد نظام بوتفليقة، لا يرى بأن بلاده تواجه خطرا بالشكل الذي يتم الترويج له.
وأوضح السياسي المعارض بأن "الجزائر بدأت تجد نوعاً من الاستقرار"، وإن أقر بوجود "نقائص واضحة"، إلا أنه قال بأن "مسار إعادة الواجهة السياسية للبلاد وإعادة النظر في المؤسسات لم يكتمل بعد، لكنه يسير في الطريق الصحيح".
وأضاف: "ومع ذلك لا أعتقد بأن الجزائر في حالة خطرة في أي مجال كان، حتى وإن كان هناك غليان طلابي أو مطالب اجتماعية، وكل ذلك معقول ومفهوم، والبلد تمر بمرحلة صعبة ولكن في الوقت ذاته لا يعني ذلك أننا نمر بخطر كبير جدا".
وعن التحركات المشبوهة لحركات متطرفة وإرهابية لاختراق الحراك، أكد سفيان جيلالي "عدم قدرتها على استقطاب الشارع وتكرار سيناريو التسعينيات رغم محاولاتها لتأجيج الوضع والدفع بالشباب للاصطدام، لكنها لا تملك القوة والإمكانيات لتخلق فوضى عارمة في البلاد، وعلى الأمن أن يعلب دوره".
المعارض الجزائري أشار إلى بقاء الحراك الشعبي، لكنه أقر بـ"اختراقه من قبل أطراف لها دور في الضغط على الجزائر للوصول إلى بعض المصالح الخاصة بها، لكن هناك فرق كبير بين حالة الاحتقان التي عشناها في 2019 واليوم".
أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط أكد، أنه "من اللامبالاة عدم التفكير في نظرية المؤامرة فيما يخص الحالة الجزائرية والتهديد لم يتوقف أبدا وكانت خاضعة لمخابر أجنبية لكنها بقيت بمثابة الشيفرة الصعب تفكيكها".
وأضاف أن "ذلك ما يزيد قلق هذه المخابر الأجنبية وعملائها في الداخل خاصة مع المناعة التي اكتسبها الجيش الجزائري، كما أنها تمكنت من التعامل مع جائحة كورونا بكثير من الحكمة، وكذا دورها المحوري الإقليمي، كلها معطيات زادت من الضغوط على الجزائر ويجعلها محط أنظار ومهددة في استقرارها وأمنها".
كما أشار المحلل السياسي إلى "الظروف التي أدت لخروج الحراك الشعبي لم تعد متوفرة في الوقت الحالي"، مضيفاً بأن "جزءا منه، وهو حراك مصطنع، بات بإيعاز من أطراف مشبوهة وخارجية وهدفه تشويه صورة الجزائر في الدوائر الإعلامية، لكن الشعب يستشعر حالة الخطر التي تتهدد بلاده، وله آلاف الأسباب التي تدفعه للخروج إلى الشارع بدون أطراف أجنبية، ولو أراد لخرج للشارع وسط حالة البؤس".
مبرزا في السياق بأن "الجزائري إذا أحس بأنه سيتم توظيفه من قبل دوائر أجنبية أو داخلية مشبوهة ويصبح أداة في يدهم فإنه سيفشل مخططاتهم، ولا يريد أن يكون أداة لأي كان، وأعتقد أن لا شيء سيحدث، والحالة الوجدانية التي دفعت ملايين الجزائريين للخروج قبل عامين بعد أن وصل إلى حالة من الغثيان من نظام العهدة الخامسة، لا يمكن أن يتكرر على الأقل في المرحلة الحالية، لأن هناك رغبة جماعية في الاستقرار".