«إعادة جماجم بعض من الشهداء».. إنه بلا ريب الحدث الأهم والأكبر هذا العام في الجزائر، حيث حضور التاريخ لمدة 190 عاماً، منها 132 سنة حكماً استعماريّاً، ما يزال مؤثراً فينا إلى الآن، أي بعد 58 سنة من الاستقلال، من خلال تبعية مكشوفة وعلنية من جزائريين اختاروا، بوعي زائف، أن يوهموا أنفسهم بانتمائهم للضفة الأخرى، ما يعني ظهور شقوق في الجبهة الداخلية، شكَّلت على مدار السنوات الماضية منافذ لتسرب الخلافات والكراهية والبغضاء، بل والاقتتال أحياناً، يحاول الرئيس عبدالمجيد القضاء عليها.
استعادة جماجم شهداء ثورات الجزائرلا يمثل تحريكاً للذاكرة الجزائرية، فقط، ولكنه إحياء للذاكرة الإنسانية كلها، ذلك أن الثورة الجزائرية لقيت دعماً، ماديّاً ومعنويّاً، من قوى مؤيدة للتحرر، ومن معظم شعوب العالم، ولو حاول الجزائريون، اليوم، تسجيل ذلك التأييد والتعاطف في صيغته الإعلامية، فقط، لما كفتهم السجلات، وسيجدون أنفسهم عاجزين زمنياً عن استعادة تاريخهم في بعده العالمي يوم أن كانوا صُنَّاعاً للحدث، حتى غدا اسم بلادهم مقلقاً لكل الطغاة في العالم، على النحو الذي سجله شاعر الثورة «مفدي زكريا» حين قال:
وقل الجزائر واصغِ إن ذُكر اسمُها تجدِ الجبابرَ ساجدين ورُكَّعا
وقــصــيـدة أزلـــيّة أبـيــــاتــــها حـمـراء كـان لـها نوفمـبر مــطلـعا
نظمت قوافيها الجماجم في الوغى وســقى النــجيـع رويـَّها فـتــدفــعا
لقد ورثنا في الجزائر زاداً جميلاً من التأييد، وجدته في جولاتي الصحفية داخل دولنا العربية مشرقاً ومغرباً وخليجاً، مثلما وجدته في بعض الدول الإسلامية التي زرتها، وبين الأقليات التي تعرفت إليها هنا وهناك، وهذا يفرض على صُنَّاع القرار في الجزائر مثلما على شعبها أن يعترفا بأهمية ذاك الزاد التاريخي، وأن يردوه، كله أو جله، لأصحابه، فإلى اليوم ما يزال لدينا أحبة ينتظرون منّاَ التغيير.
هنا وجب الحديث عن نموذج من بين كثيرين عرفتهم في الإمارات، إنه الصديق: جمعة السلامي.. رجل مثقف، مهتم بقضايا أمته في كل أوطانها، وسبَّاق لمعرفة أخبارها.. أذكره هنا ليس فقط كونه ابناً لدولة حديثة ومعاصرة، وحاملة لهموم العرب، ولكنه لأنه بادر بإرسال خبر استعادة جماجم شهداء الثورة الجزائرية مرفقاً بصور الجنود الفرنسيين وهم يحملون رؤوس الشهداء مُتابَهين بجريمتهم، قبل أن أتابعه.
لحظتها تساءلت: ترى ما الفرق بين الثورة الحقيقية والفتنة داخل دولنا؟.. وجاءت الإجابة، كما هي في فرح وحزن السلامي على ماضي وحاضر أمته، الثورة: إجماع عام حول الشهداء لا يتغير مهما طال العمر.. والفتنة: لكل فريق شهداؤه!