قنابل الخزعلي الصوتية لتخويف دعاة تصحيح السياسة الخارجية
تتّجه إيران لاستخدام أذرعها في الداخل العراقي في حملة ضغوط إعلامية وسياسية على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التي شرعت بالفعل في تحسين علاقات العراق مع السعودية، بينما تستعدّ للدخول في حوار استراتيجي مع الولايات المتّحدة في يونيو القادم تخشى طهران أن يفضي إلى تكريس وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية بدل إخراجها من هناك وفق ما يأمله الإيرانيون.
ولم تجد إيران ما ترد به على خطوات انفتاح العراق على السعودية في عهد رئيس الوزراء العراقي الجديد، أفضل من تحريك أدواتها للتحرش بالوجود الأميركي في البلاد، لعلمها بحساسية موقف الكاظمي وحاجته الأكيدة إلى الحفاظ على العلاقات بين بغداد وواشنطن في مرحلة الأزمة المالية الحادّة التي وصلت حدّ طرح إمكانية العجز عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين آخر شهر يونيو القادم.
وشن زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي هجوما إعلاميا على الولايات المتحدة قائلا إنّ “العراقيين مستعدون لتقديم أرواحهم من أجل السيادة”.
وطالب الخزعلي الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق موضّحا أنه “إذا لم يحصل الانسحاب فعلى المحتل الأجنبي أن يعلم أن العراقيين لن يقبلوا ببقاء قواته”. وعندما حاول الخزعلي السخرية من الولايات المتحدة مذكرا إياها بـ”ماذا ذاقته” على أيدي عناصر ميليشيا حزب الله سقط في تناقض كبير، عندما أكد عزم “فصائل المقاومة” على الثأر لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وقائد أركان قوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس اللذين قتلا في عملية أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الحالي.
ويعتبر مراقبون أن قتل سليماني والمهندس بهذه الطريقة، يلخص طريقة الولايات المتحدة في التعامل مع ملفي العراق وإيران المتداخلين، إذ يمكنها اتخاذ خطوات كبيرة جدا من دون أن تخشى أي عواقب.
لكن الخزعلي يعتقد أنّ “الولايات المتحدة التي تعتبر دولة عظمى لم تستطع مجاراة فصيل عراقي واحد”، وهو كتائب حزب الله المتهم بتنفيذ هجمات صاروخية على مواقع تضم قوات أميركية داخل العراق، تسببت حتى الآن في مقتل متعاقد مدني من أصل عراقي وجرح بضعة جنود بعضهم عراقيون وتسببت في تدمير آليات عراقية.
ويؤكد الخزعلي أن “أبطال حزب الله أذاقوا الولايات المتحدة ما أذاقوها، فكيف ستواجه جميع فصائل المقاومة”.
وقبل مقتل سليماني والمهندس تعرضت معظم مخازن سلاح الميليشيات العراقية الخاضعة لإيران داخل العراق إلى هجمات أدت إلى تدمير ما تحتويه. ولاحقا اتهم رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي إسرائيل بتنفيذ هذه الهجمات.
ولم يقدم الخزعلي أي تفاصيل عن طبيعة “ما ذاقته الولايات المتحدة” على أيدي “فصائل المقاومة الإسلامية”، لكنّه قال “نحن مستعدون لتقديم أرواحنا من أجل الكرامة والسيادة ولا ننسى دماء الشهيدين المهندس وسليماني”.
وبشأن المفاوضات المنتظرة الشهر القادم بين العراق والولايات المتحدة، قال الخزعلي إنّ على “الأميركيين وهم يتفاوضون في يونيو أن يتذكروا الذكرى السنوية المئوية لثورة العشرين” في إشارة إلى الانتفاضة العشائرية ضد القوات البريطانية التي دخلت العراق إبّان الحرب العالمية الأولى.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ“ جنوب العرب” إن المفاوضات المنتظرة ستجري في بغداد الشهر القادم، موضحة أنّ “الولايات المتحدة أعدت فريقا للتواصل مع الرئاسات الثلاث، الحكومة والجمهورية والبرلمان، فضلا عن ممثلي المكونات”.
وتستهدف هذه المفاوضات تنظيم شكل العلاقة بين واشنطن وبغداد، بعد قرار القوى الشيعية في مجلس النواب الطلب من الحكومة إخراج القوات الأميركية من العراق.
ويقول مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض إن العراق متفائل بمستقبل علاقاته بالولايات المتحدة.
ويرأس الفياض أيضا قوات الحشد الشعبي ويدور في فلك النفوذ الإيراني، لكن مصادر مطلعة تشير إلى اقترابه مؤخرا من محور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي القريب من الولايات المتحدة والسعودية.
وأرسلت حكومة الكاظمي إشارات واضحة على نيتها تطوير العلاقة مع السعودية عندما بعث رئيس الوزراء وزير المالية إلى الرياض، لبحث آفاق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وحركت هذه الخطوة أجواء من الارتياح في البرلمان عبرت عنها كتلة “سائرون” التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وقال النائب عن الكتلة في البرلمان العراقي أمجد العقابي إن على إيران ألا تتحسس من عمل العراق على تطوير علاقاته بالسعودية، لاسيما في هذا التوقيت الذي يشهد أزمة مالية كبيرة بسبب انهيار أسعار النفط.
في المقابل، شنت وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني هجوما واسعا على السعودية، متهمة إياها بالسعي إلى تكبيل العراق بديون جديدة بالرغم من الاهتمام الشعبي الواضح بتحركات حكومة الكاظمي صوب الرياض.
وقال مراقبون إن حملة الميليشيات الموالية لإيران الهادفة إلى نشر صور الخميني وخامنئي وسليماني والحوثي في مدن العراق الشيعية مؤخرا، هي جزء من حملة التشويش على تحركات حكومة الكاظمي المصرة على تعميق التواصل مع المحيط العربي لبغداد. وعبر هذه الصور أرادت الميليشيات القول إن إيران تهيمن على العراق شعبيا وثقافيا، وفق تعبير الكاتب والصحافي قيس حسن.
لكن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يقول إن “الشرق لم يعد لديه ما يقدمه للعراق”، في إشارة إلى إيران، مشدّدا على ضرورة توثيق علاقات العراق بالخليج والولايات المتحدة والغرب عموما.
ويضيف الحلبوسي أن العراق سيكون بحاجة ملحة إلى تفاهمات عاجلة لمواجهة أزمته المالية الناجمة عن انهيار أسعار النفط، مشيرا إلى أن “إيران لا يمكنها أن تساعد العراق بينما يمكن للغرب أن يفعل”.
ويقول مراقبون إن تصريحات على غرار ما أدلى به قيس الخزعلي في ثاني أيام عيد الفطر ستبقى حاضرة على لسان قادة ميليشيات عراقية مقربة من إيران خلال مرحلة حكومة الكاظمي لموازنة المشهد شكليا على الأقل.
ولا يمكن توقع أكثر من تصريحات حادة من قادة الميليشيات مع بعض التحرشات المحسوبة بمصالح الولايات المتحدة في العراق، حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية واتضاح مصير الولاية الثانية لدونالد ترامب التي يأمل الإيرانيون ألا تحدث.