إفطار على عدم الاتفاق
فشل قادة الائتلاف الحاكم في تونس الذي بات يُعرف بـ”الترويكا 2″، في التوافق حول وثيقة “عهد التضامن والاستقرار”، التي تم الدفع بها في مسعى لتصحيح خارطة التوازنات، بما يُساهم في تنقية المناخ السياسي في البلاد الذي تتجاذبه صراعات مُعلنة وأخرى صامتة.
وقالت مصادر حزبية لـ” جنوب العرب” إن هذا الفشل الذي عكسته النتائج التي وصفتها بـ”الباهتة” لاجتماع قادة الائتلاف الحاكم عُقد ليل الخميس بحضور رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، ورئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي.
وأكدت أن هذا الاجتماع الذي عُقد بطلب من رئيس الحكومة، حضره أيضا رئيس حزب تحيا تونس، يوسف الشاهد، ورئيس كتلة الإصلاح الوطني النيابية، حسونة الناصفي، باعتبارهما يُشاركان ويدعمان الائتلاف الحاكم الحالي الذي يتألف بالأساس من حركة النهضة الإسلامية وحركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي.
واعتبرت أن توجسا محكوما بالريبة والقلق، لم تحجبه المجاملات المواربة، سيطر على أجواء هذا الاجتماع، الذي جاء على طاولة مأدبة إفطار، حيث تناول المشاركون فيه وثيقة “عهد التضامن والاستقرار” بكلام عام من قبيل التأكيد على أهمية التضامن، والاستقرار الحكومي، وضرورة إخضاع الوثيقة للمزيد من النقاش، وذلك بعبارات عكست نوعا من “رفع العتب”، حتى لا يُقال إنهم يرفضون هذه الوثيقة.
ومع ذلك، قالت رئاسة الحكومة في بيان لها إنه كان “مناسبة للحديث عن الأوضاع العامة بالبلاد، وفرصة للتأكيد على أهمية الائتلاف الحكومي، والعمل على تعزيز التعاون والتشاور صلبه بما يدعم الاستقرار ويوفر مناخا مناسبا للإصلاح ولمواجهة التحديات الكبيرة والجسيمة التي تعيشها تونس على ضوء تداعيات أزمة كورونا وفي ظل التحديات الدوليّة المطروحة”.
وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن هذا الاجتماع انتهى كما بدأ، حيث اتفق المشاركون فيه على ألا يتفقوا، وذلك عبر الاتفاق على فسح المجال لقادة الائتلاف الحاكم للعودة إلى هياكل أحزابهم “للمزيد من التشاور، وإغناء الوثيقة” التي كان يُفترض توقيعها خلال الاجتماع المذكور.
وتتضمن الوثيقة، التي قدمها رئيس الحكومة للأحزاب التي تُشكل حزامه البرلماني، سبع نقاط أساسية تهدف إلى ضرورة الحفاظ على وحدة التضامن الحكومي، والابتعاد عن كل تصريحات التفرقة، وذلك في أعقاب تنامي الخلافات بين أركان الائتلاف الحكومي، وخاصة بين حركة النهضة وحركة الشعب، وقبل ذلك بين حركة النهضة وحزب التيار الديمقراطي.
ورسمت تلك الخلافات مشهدا غريبا بدت فيه حكومة الفخفاخ كأنها تواجه فترة حرجة، تتداخل فيها المصاعب، دفعتها إلى محاولة إعادة ترتيب أسس التحالف الذي يوصف بـ”المريب” عبر هذه الوثيقة التي لم يتردد النائب هيكل المكي، القيادي في حركة الشعب، في القول إن أسلوبها إنشائي.
وأشار المكي إلى أن حركته ليست من حيث المبدأ ضد وثيقة “عهد التضامن والاستقرار”، ولكنها ضد الصياغة التي قدمت بها “لذلك نحن في حركة الشعب نطالب بتعديل بعض مضامينها”، مُعربا في تصريحات إذاعية عن أمله في “أن يتم توقيع هذه الوثيقة تحت إشراف رئيس الجمهورية نظرا لما له من شرعية انتخابية”.
وأكدت مصادر “جنوب العرب” أن اجتماعا لقادة أحزاب الائتلاف الحاكم، سيُعقد يوم الاثنين القادم، لبحث التعديلات الواجب إدخالها على هذه الوثيقة، وذلك في الوقت الذي يستبعد فيه المراقبون إمكانية اعتمادها بالنظر إلى موقف حركة النهضة الإسلامية التي كثفت مناوراتها لاستبعاد الرئيس قيس سعيد من تحرك سياسي من شأنه ترتيب الأجواء التي كشفت عن صراعات مفتوحة على كل الاحتمالات.
ويبدو أن سياقات تلك الصراعات التي اتخذت عناوين مُتعددة، كانت حاضرة في الاجتماع الذي جمع ليل الخميس، على طاولة الإفطار بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، وراشد الغنوشي بصفته رئيسا للبرلمان، إلى جانب عدد من رؤساء الأحزاب المُمثلة في البرلمان.
وأحيط هذا الاجتماع بتكتم شديد، حيث لم يتسرب عن عناوينه شيء، رغم أن نورالدين البحيري، رئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة وصفه بـ”الإيجابي”. وقال في تصريحات له “اللقاء مهم جدا، حيث تم التطرق خلاله إلى الأوضاع العامة في البلاد، ووضع الحكومة، والتأكيد على ضرورة التشارك والتعاون”.
غير أن متابعين للشأن التونسي لم يترددوا في وصف هذا الاجتماع بأنه “فشل” في إذابة الجليد بين الرئيس قيس سعيد وراشد الغنوشي، حيث يُعتقد على نطاق واسع أن البيان المثير للجدل الذي حمل توقيع راشد الغنوشي، مُرتبط بما دار خلال الاجتماع المذكور الذي انتهى دون تبديد حالة التوتر والارتباك التي باتت تُلازم المشهد السياسي في البلاد.