أي غياب بالحضور ذلك الذي نعيشه اليوم؟ وأي اغتراب تفرضه الوقائع التي تصنعها شعوبنا حتى إذا ما نضجت، وقاربت على إحداث تغيير، تراجعنا أو جنى غيرنا من كل ملل الدنيا ثمارها؟، وفي أي عصر نعيش نحن مع أن جغرافيتنا هي اليوم أكثر مواقع الحرب، وأشهى للآخرين وألذ بما جاد الله عليها من خيرات؟.
هذه الأسئلة وغيرها، ترادوني في حالات: الرُّشد والتّيه، الحلم واليقظة، الجد واللغو، الضحك والبكاء، العزة والذل، سواء أكان ذلك على المستوى الفردي، أو في زمن الدُّول الوطنية المنكسرة، أو شوقاً لذكريات مجد لأمة سادت ثم بادت، وكل ذلك آتٍ من غياب كلي لتسجيل أحداث تمر بها أمتنا، كانت تلجأ إلى الشعر فيحفظها تاريخاً، وينشط الذاكرة حين تواجه قهر النسيان أو سطوة التّناسي، وقبل أيام وفي لحظة نجوى سألت نفسي: أيعقل أن تمر دولنا بأحداث كبرى مخضبة بالدماء و كلمى بالجروح في الأجساد والأرواح والعلاقات ثم لا يسجل ذلك شعراً، بما يعتبر مختلفاً عن فترات مرت خلال ثورات التحرير؟.
ما كنت أعتقد أن الإجابة ستأتينا سريعة من شاعر مرهف الحس، مهموم بقضايا أمته، ومتصالح مع الإنسانية في أبعادها الوجودية، ومعبر عن قناعة دولة بأن تكون حاضرة ثقافة ومعرفة ومشاركة، وساعية لطرح أفكار إيجابية تصدر من العرب للعالم.. إنه الشاعر الإماراتي الكبير سالم أبوجمهور الذي صدر له هذا الأسبوع ديوان جديد بعنوان «أنت الجزائر» عن دار «نبطي» في أبوظبي.
الشاعر «أبوجمهور» لم يتأثر بأحداث الجزائر لجهة خروج الشعب في حراك قارب السنة فحسب، ولكنه تمَّعق في القاموس اللغوي للشعب الجزائري، حتى أنه بدا في إحدى قصائده مناضلاً في ميادين الجزائر العاصمة، كما في قصيدته «يتنحاو قاع»، التي يقول فيها:
يتنحاو قاع يتنحَّى الخائن والمُتلوِّن والطّمّاع
يتنحاو قاع لا يبقى أحد في القمة أو في القاع
يتنحاو قاع هذي هدرة شعب لا يحتاج إلى ترجمة هدير
إلى ترجمة زئير
شعب يخترع التحرير
يتنحاو قاع يختصر الشارع كل مطالبه
عن كلّ روايات الأوضاع.
ما قدَّمَهُ الشاعر «سالم أبوجمهور» مشاركة وجدانية إماراتية وعربية في الشأن الجزائري، تذكرنا بما كتبه الأديب الإماراتي الراحل «أحمد راشد ثاني» في كتابه «جزائر حبيبتي»، وتعيدنا إلى أيام الفخر والتلاحم مع الثورات الجزائرية، كما في قصائد الشاعر السوري الراحل «سليمان العيسى»، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون في ظل حركات احتجاجات لا تهدأ في معظم الدول العربية.
#بلا_حدود