ما جدوى الحديث الظاهر والخفي في كل قضايانا التي نعيشها أو يفرض الآخرون علينا تحديد مسارها؟.. بل ما جدوى الكتابة حين تغدو خارج الفعل العسكري، والسَّيْفُ ـ كما قال أبو تمام ـ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ؟، ثمّ ألا نشعر جميعا ـ قادة وشعوباً ـ بحال من التِّيه وغياب الرُّشد، والسفاهة؟.
تلك الأسئلة وغيرها تفرضها جغرافية العرب والمسلمين في كل القارات، أي حيثما وجدوا، وأينما حلوا أو ارتحلوا.. فها نحن اليوم نجرّ إلى حروب جديدة ـ سواء بفعلنا أو بفعل غيرنا ـ ونحن نعتقد واهمين بأننا نحسن صُنعاً.. حروب تلو الأخرى في البر والبحر، على خلفية النعم والثمرات، التي هي اليوم جاذبة لقوى الشر جميعها في بعدها الدولي، قوى حلّت بديارنا من خلال ترويج سياسة«خشية العيلة» إعلاميا في تجسيد واضح لأوهام بعض الحكام، وفي بعدها المحلي كاشفة لحال من الأنانية بيننا بلغت الذروة في النهب المباشر والفساد العلني، أدت إلى حروب أهلية لا نعلم متى تنتهي.
لقد أصبح البحث عن صيغة مجدية للخروج من الحروب مركزا على كيفية استمراريتها وليس العمل من أجل أن تضع الحروب أوزارها، وها نحن اليوم نشرك كل القوى العالمية في تحديد مساراتنا الحقيقية والوهمية، ومن الشواهد ما يدل على ذلك في تدويل الحرب الأهلية في ليبيا، والعراق، وسوريا واليمن، والصومال، وقبل تلك الدول جميعها سنجد فلسطين شاهدة على قبول العرب والمسلمين بما تمليه القوى الدولية من شروط لتغيير الخرائط، وفرض الوصاية، والتحكم في القرار، وإلغاء السيادة، ونهب الثروات.
عمليّاً، ونظريّاً أيضا، يكثر الحديث عن استهدافنا من الآخرين، وخضوعنا مكرهين للعبة الأمم، وهذه حقيقة جزئية وليست كلية، لأن جوانبها الأخرى هي نتاج وعينا الجماعي المزيف في ظل التغيرات الكبرى، التي تجتاح العالم كله، من ذلك القول بالمحافظة على الدولة الوطنية، وهي دعوة حقّ يراد بها باطلاً، إذ يعجز العقل عن تصور تفوق منتظر للدولة الوطنية وهي نفسها عاجزة عن اتخاذ موقف مع الدول العربية أو الإسلامية الأخرى، ناهيك عن أنها نوع من الردة عن الفعل الجماعي المشترك، لكنه ليس مرهونا بميراث روّج ـ قرونا ـ لثقافة الخلافة التي كانت حكما سياسيا للأمم الأخرى، وتعود اليوم في ظل التكالب علينا محملة بسفاهة من يشاركون في شن الحروب في أراضينا بحجة نجدة المظلومين منا.. وفينا.