حين تحلّ العبثيةُ، وتتسربُ خطايا السياسة من الذاكرة المثقوبة، تُصبح الدولة في مهب الريح، بل تواجه عواصف الزمان والمكان وتوتر شبكة العلاقات الاجتماعية، وأحسب أن هذا ما تعيشه الجزائر اليوم، فما كان لها، وما ينبغي، أن تؤسس لحركة التاريخ باتجاه التغيير من منطلق تخطّف الدولة من الطير أو أن تهوي بها الريح في مكان سحيق، من خلال إجابات لأصحاب العيون الخمسة ـ نسبة إلى الحرف الأول من أسماء المرشحين في الانتخابات الرئاسية ـ ممن تبرأوا من مسؤولياتهم في زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فبدوا ليسوا أهلا بأن يكونوا رجال الحاضر والمستقبل، لأنهم اعتبروا ماضيهم القريب أصبح نسياًّ منسياًّ.
الجزائر لا تشبه الدول الأخرى في مسارها التاريخي لجهة انتاج الثورة والإرهاب والفساد والضياع، لكنها لا تملك اختيار أن تأوي إلى ركن شديد، أو تهجر البشر في عصرهم الراهن، لهذا تسعى لتكون ـ مكرهة ـ جزءا من التمدن والتطور، غير أنها تصطدم برؤى تراجعت إلى مرحلة سابقة عن الثورة، لهذا تبدو كل مواقفها في الوقت الراهن مشوهة، وآخرها تلك المناظرة التي أجريت يوم الجمعة الماضي بين المرشحين الخمسة، وهي لا صلة لها باسمها، ولا منهجها وطرقها المعروفة عالميا، وهي لم تكن كذلك لضعف ظاهر أو خفي من طرف غالبية الجزائريين وخاصتهم، وإنما لأن جهة ما تريد تقديمنا من زاوية السوء، باعتبار أن المهم هو الجانب«المظهري» المشوه، وليس المحتوى والنوعية.
وبعيداً عن الدخول في نوايا المرشحين الخمسة، طيبة كانت أو خبيثة، فإن مشاركتهم تعدُّ نوعا من التضحية والجهاد في هذا الظرف الصعب، وأمام حراك استفحل فتحول إلى عبء ثقيل على الدولة، خاصة بعد أن حقق ما كانت تريده أطراف أو أجنحة في السلطة، دمرت شركاءها في الفساد وفي الحكم العبثي، وفي الاعتقاد بسلطة أبوية وأبدية.. ذلك الحراك الذي أثبت أنه صاحب حق أرعن، وكذلك هو صاحب الحاجة في الغالب، غير أن تلك التضحية لم يختمها المرشحون الخمسة بالاعتراف ـ خطابا ـ بتجربتهم السابقة وما اعتراها من نقصان.. لقد كشفوا أنهم خدام سلطة ولم يكونوا ولن يكونوا رجال دولة، لذا علينا قبول الفائز منهم بما يعتقده من تقديم خدمات منتظرة، لكن ليس خادم القوم دائما سيدهم، والشعب الجزائري سيد نفسه لذلك لا يحتاج إلى خدّام مادام أشباه الأسياد يعودون محملين بأوزارهم لأجل حماية البلاد كما يدعون.. مع أن للجزائر رب يحميها.