يتَعرّض جيرمي كوربن وحزب العمّال البريطاني المُعارض إلى حملةٍ شرِسَةٍ من قِبَل كبير الحاخامات وأعضاء ونوّاب ومَسؤولين يهود في مُعظم الأحزاب البريطانيّة هذه الأيّام، وقبل أُسبوعين من الانتِخابات البريطانيّة العامّة، لمنعِه وحزبه من الفوز وتشكيلِ الحُكومة المُقبلة، وتُركِّز هذه الحَملة على تُهمَةٍ أساسيّةٍ وهي مُعاداة الساميّة وفشِله في تنقية الحِزب وصُفوفه من أعضاءٍ مُتشدِّدين.
هذه الحملة ليسَت جديدة، وبدأت قبل أكثر من عام، وأدّت بسبب شراسَتها إلى حُدوث انشِقاقات في حزب العمّال، واستقالة بعض النوّاب الذين يُمثّلونه في البرلمان، وانضِمام بعضهم إلى أحزابٍ أُخرى، في مُحاولةٍ لإضعاف الحزب، وتقويضه من الدّاخل، والإطاحةِ بزعيمه كوربن.
دخول كبير الحاخامات اليهود أفرايام ميرنس إلى الحلبة، وكتابته مقالًا في صحيفة “التايمز” البريطانيّة المُحافظة، اتّهم فيه حزب العمّال بمُعاداة الساميّة، وأكّد فيه أنّ زعيمه كوربن عاجِزٌ عن الحُكم لأنّه فشِل في مُواجهة هذه الأزَمَة، أيّ مُعاداة الساميّة، وأنّ الجالية اليهوديّة تشعُر بالقَلق، هذا الدّخول غير المَسبوق يعكِس تَدخُّلًا مُباشِرًا في الحملة الانتخابيّة البريطانيّة، ويُعتبر تهديدًا مُباشِرًا لزعيم أحد أبرز حزبين في بريطانيا، ومُحاولةً واضحةً لتحريض النّاخبين على عدم إعطائهم أصواته في الانتخابات.
***
أعرِف جيرمي كوربن شَخصيًّا، وشاركته في العَديد من النّدوات السياسيّة في مسيرة امتدّت لأكثر من 35 عامًا، وقبل أن يفوز برئاسة حزب العمّال في البرلمان بأغلبيّةٍ ساحقة، وإفشال العديد من المُؤامرات للإطاحة به بسبب دعم قواعد الحزب الشعبيّة له، وهو الذي ضاعَف أعدادهم، أيّ الأعضاء، أكثر من أربع مرّات.
جيرمي كوربن الذي يُواجه هذه الحملة الظّالمة لم يكُن مُعادِيًا للساميّة ولن يكون، وجريمته الكُبرى أنّه يقِف في خندق القضيّة الفِلسطينيّة، ويُدين المجازر الإسرائيليّة ضِد الشّعبين الفِلسطينيّ واللّبنانيّ، ويُطالب باحترامٍ قرارات الشرعيّة الدوليّة التي تُطالب باستعادة هذا الشّعب لحُقوقه وإقامة دولته المُستقلّة.
بنيامين نِتنياهو وصديقه توني بلير، واللّوبي اليهودي المُساند لدولة الاحتلال الإسرائيلي، نجَحوا في جعل أيّ انتقاد لإسرائيل وحُروبها، وضحاياها من الفِلسطينيين الأبرياء عَداءً للساميّة، واستخدموا هذه التّهمة “الزّائفة” في مُطاردة أيّ بريطاني أو مُسلم أو عربي، يتَجرّأ على الظُّهور في وسائل الإعلام والمُحاضرات الجامعيّة ومَنعِه من التّعبير عن وجهةِ نظره، وكُنت أنا شَخصيًّا من بين هؤلاء.
تصدّرت صُورتي كامِل الصّفحة الأُولى لصحيفة “جويش كرونيكل” مُذيّلةً بتقريرٍ عن مُعاداتي الساميّة، وقوّلوني ما لم أقله في مُحاضرةٍ ألقيتها في كليّة الاقتصاد والعُلوم السياسيّة الأشهر في جامعة لندن، ومارَسوا نُفوذهم لمَنعي من الكتابة في الصّحف والظّهور على محطّات التّلفزة الأمريكيّة والبريطانيّة، وحقّقوا نجاحًا كبيرًا في هذا المِضمار، ووجدوا دَعمًا من بعضِ السّفارات العربيّة للأسف.
جيرمي كوربن من أشرف السّياسيين البريطانيين، إن لم يكُن أشرفهم، وكان الزّعيم المُتوّج للمُظاهرات المِليونيّة التي كانت تُنظَّم كُل يوم سبت ضِد الحرب على العِراق بفصليها الأوّل والثّاني، مِثلَما تَصدّر كُل المَسيرات الدّاعمة للقضيّة الفِلسطينيّة، ولم تُرهِبه مُطلقًا التّهديدات التي يقِف خلفها أنصار دولة الاحتلال.
***
سأُصوّت وأفراد عائلتي والكثير من الأصدقاء والعرب والمُسلمين لحزب العمّال في الانتخابات البرلمانيّة المُقبِلة يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) المُقبل، رغم أنّني أختَلِف مع سياسة الحزب تُجاه مسألة الخُروج من الاتّحاد الأوروبي التي تتّسم بالغُموض، فأنا مع البَقاء، وأُناشد من هذا المِنبر جميع الأشقّاء العرب والمُسلمين الشّرفاء اتّخاذ الموقِف نفسه ودعم حزب العمّال في هذه الانتِخابات، لأنّ كوربن الذي أعرفه وجميع مُرشّحي حزبه هُم من المُناهِضين للعُنصريّة بِكُلِّ أشكالها.
أليس من المُضحِك، أن تقِف إسرائيل الدّولة الأكثر عُنصريّةً في العالم، والتي أصدرت قانون يُكرِّس الهُويّة اليهوديّة لها، باعتِبارها حَقًّا لمُواطنيها اليهود فقط، ضِد زعيم حزب العمّال الذي شهِد له الكثير من النوّاب اليهود الشّرفاء بأنّه ليس عُنصُريًّا، وليسَ كارِهًا لليهود؟
إذا كانت هُناك دولة تُجسِّد العُنصريّة وتُمارس أبشع أنواع القتل، وكُل أنواع التّمييز ضِد حواليّ خُمس مُواطنيها العرب والمُسلمين والإثيوبيين وسُمر البَشرة، وتَقتُل الأبرياء وتُشَرِّع الاستيطان فهِي إسرائيل التي يَدعمها كبير الحاخاميين اليهود في بريطانيا.