لدول الخليج أحقية المشاركة في أي مفاوضات مقبلة مع إيران
اعتبرت مصادر سياسية خليجية مطلعة أن الأجواء الإقليمية في المنطقة تشير إلى أن جهودا غير علنية تبذل من أجل تخفيف التوتر المتعلق بالأزمة مع إيران.
وذكرت بأن واشنطن تدفع مع عواصم خليجية باتجاه حلّ سياسي يجنب المنطقة والمنافذ البحرية الدولية أي تطورات سلبية تهدد المنطقة كما أمن الملاحة الدولية.
وأشارت إلى أن الجهود السياسية تنصب باتجاه رسم ملامح الوضع في المنطقة التي تعاني من تنمر إيراني تركي إسرائيلي على مستوى الدول وتنمر عقائدي على مستوى الأحزاب الدينية والميليشيات والفصائل المسلحة.
وتوقف مراقبون عند دعوة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش خلال مشاركته في فعاليات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس، الأحد، إيران للجلوس إلى مائدة التفاوض مع القوى العالمية ودول الخليج، للتوصل إلى اتفاق جديد يخفض من التوتر المتصاعد في المنطقة.
وقالوا إن الإمارات تقدم في تصريح قرقاش وجهة نظر في خارطة طريق مشتركة لحل أزمة المنطقة المتفاقمة على الرغم من إدراكها أن المسألة دولية.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها المرشد الإيراني علي خامنئي ضد الوساطة الفرنسية وضد الرئيس إيمانويل ماكرون في هذا الصدد، وغموض الوساطة التي قام بها رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان لحوار مقترح بين إيران وكل من السعودية والولايات المتحدة، لفت المراقبون إعلان قرقاش أن بلاده تعتقد بأن هناك مجالا لنجاح الدبلوماسية. وذهب إلى التحذير من خيار واهم بين الحرب واتفاق نووي معيب.
وترى المصادر نفسها أن الإمارات متنبهة إلى آفاق أي صفقة دولية محتملة مع إيران، وأن المزاج الخليجي العام يدفع باتجاه مشاركة دول المنطقة في أي مفاوضات مقبلة.
وأضافت أن البرنامج النووي الإيراني هو هاجس إسرائيل والدول الغربية، إلا أن دول المنطقة تضيف إلى ذلك هاجس ملفات أخرى تهدد الأمن الاستراتيجي المباشر لدول المنطقة متمثلة بالميليشيات والفصائل المسلحة.
وأشار قرقاش في هذا الإطار إلى ما سبق أن أعلنه مسؤولون خليجيون من أن إجراء محادثات جديدة مع إيران لا يجب أن يتطرق إلى الملف النووي فحسب بل يجب أن يعالج المخاوف المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي، مضيفا أن مناقشة تلك الملفات تعني أن دول المنطقة تحتاج إلى المشاركة فيها.
ويعيد الوزير الإماراتي التأكيد على ما سبق أن أعلنه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان من داخل عواصم دولية، من أن على دول الخليج أن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات للمشاركة في عقد أي اتفاق.
وترى مصادر خليجية أن ملف برنامج إيران للصواريخ الاستراتيجية كما ملف سلوك إيران المزعزع للاستقرار داخل دول المنطقة هما هواجس مباشرة تمس مباشرة أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي كما تمس الميادين التي تعتبر فضاء أمنها الاستراتيجي.
وعلى الرغم من ضبابية المعطيات إلا أن قرقاش رأى أن هناك سبيلا ممكنا للتوصل إلى اتفاق مع إيران قد تكون كل الأطراف مستعدة للسير فيه، لكنه أرفق تفاؤله بالإشارة إلى أن الطريق سيكون طويلا ويتطلب صبرا وشجاعة.
ولاحظ مراقبون أن الوزير الإماراتي يغمز من قناة التباين في موقفي الولايات المتحدة وأوروبا في شأن التعامل مع الملف الإيراني.
ووضع وزير الدولة الإماراتي إمكانات الحلّ السياسي مترافقة مع ضرورة أن يكون هناك اتفاق دولي، لاسيما أميركي أوروبي، يلتقي مع رؤى دول المنطقة.
ولفت المحلل السياسي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية عبدالخالق عبدالله إلى التفاؤل الذي عبر عنه قرقاش تجاه المستقبل، مذكرا بالتطورات الإيجابية في اليمن وبقرب انتهاء الحرب في اليمن.
واعتبر عبدالله في تصريح لـ”العرب” أن الصفقة مع إيران ممكنة أكثر من أي وقت آخر نظرا لدور الإمارات في التطورات الإيجابية بمبادراتها التي تتخذ خطوات مدروسة لوقف التصعيد وتخفيف حدة التوتر والابتعاد عن المواجهة العسكرية في الخليج العربي.
وتوقفت مصادر دبلوماسية عند القراءة التي قدمها قرقاش لتحديات المنطقة معتبرا أن أزمات المنطقة تتطلب إدارة حذرة ورؤية سياسية حكيمة للتعامل معها، بالنظر إلى تداخل العديد من الملفات التي تشمل الهجمات الإيرانية ودعمها لوكلائها في المنطقة والتدخل التركي في سوريا والتهديدات الإسرائيلية الحالية والهبّات الشعبية في لبنان والعراق.
ولفت قرقاش إلى أن هذه الملفات لا تمنح مجالا لأي أخطاء في اتخاذ القرارات، بل تتطلب هدوءا ودبلوماسية نشطة ومحاولة لمد جسور التعاون وليس منافسة مدمرة بين القوى العظمى تؤدي إلى تفاقم الأزمات وزيادة تداعياتها وآثارها السلبية.
واهتم المراقبون بما أورده قرقاش في كلامه بشأن اليمن بعد أيام على التوقيع في الرياض على الاتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “إن الخيار في اليمن ليس صراعا لا نهاية له، ونحن ملتزمون بعدم التخلي عن شعب اليمن لميليشيات الحوثي وتنظيم القاعدة، لكن الوضع الحالي يتطلب دبلوماسية قوية تسهم في الوصول إلى حل سياسي براغماتي سلمي”. ورأى مراقبون أن هذا التوجه يلتقي مع ما صدر مواكبا لاتفاق الرياض من أن ما تم التوصل إليه قد يشمل أطرافا أخرى، بما فهم أنه توجه للدفع بمحادثات مع الحوثيين في محاولة للتوصل إلى اتفاق عام ينهي الصراع في اليمن.
ولفت مراقبون إلى دعوة قرقاش إلى استغلال فترة الأزمات وتحويل التحديات إلى فرص لبناء نظام إقليمي جديد، يكون ضمن صلبه مفهوم احترام السيادة الوطنية وإنهاء التدخلات من قبل إيران وتركيا في العالم العربي، معتبرين أن الإمارات تسعى لإرساء مقاربة طويلة الأجل كمنظومة إقليمية تنهي السلوكيات التي باتت تقليدية في سياسة تركيا وإيران الخارجية، وأن الوزير الإماراتي يعلن من خلال هذه الدعوة عن تموضع آخر للمنطقة العربية برمتها في مرحلة ما بعد أي حل يتعلق بإيران، ويرد في الوقت عينه على الرؤية التي تسوق لها طهران من أجل بناء منظومة أمن إقليمي تمثل إيران حجر زاوية فيها تفتح المجال للمزيد من محاولات الهيمنة على مسار دول المنطقة ومصائرها.