تكتيكات عسكرية جديدة
تستعد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لعملية عسكرية كبيرة لاسترداد قاعدة غريان الاستراتيجية في جنوبي طرابلس، والتي تمكن اللواء أسامة الجويلي آمر ما يسمى بالمنطقة الغربية، التابعة لحكومة الوفاق الليبية، من السيطرة عليها، الأربعاء، بمساندة عدد من الكتائب المسلحة.
وكشف اللواء المبروك الغزوي، مساعد آمر مجموعة عمليات المنطقة الغربية التابعة للجيش الليبي، في تصريحات له، أن قواته “واجهت خيانة في غريان من قبل أفراد بعينهم غالبيتهم من ميليشيات فجر ليبيا”.
ومن جهته، قال المسؤول الإعلامي للواء 73 مشاة، المنذر الخرطوش، إن قوات الجيش الليبي اضطرت للانسحاب من مدينة غريان “تجنبا للاشتباكات وسط المدينة”، وذلك في الوقت الذي أكد فيه العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي، أن أكثر من 8 طائرات تركية مُسيرة شاركت في الهجوم على قوات الجيش في مدينة غريان.
وفيما تباينت الآراء حول الانعكاسات الميدانية لهذه الخطوة العسكرية المفاجئة، أكد الجيش الليبي على لسان العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي، أن “قوات الجيش وضعت تكتيكات عسكرية، (…) وستتمّ معالجتها خلال الساعات المقبلة، ذلك أن الجيش لن يترك مدينة غريان، وهناك عشرات الآلاف من الجنود والأسلحة والمعدات في محيط المنطقة بكاملها، حيث تتم محاصرة الميليشيات والتعامل معها”.
وشنّ سلاح الجوّ التابع للجيش الليبي، الخميس، سلسلة غارات في محيط غريان، مُتوعّدا في نفس الوقت بأن رده “سيكون قاسيا على الخلايا النائمة التي سهلت دخول غريان”.
وشددت مصادر قريبة من الجيش الليبي في تصريحات لـ”العرب” على ضرورة إعادة النظر من جانب قادته في موقف القوات المتمركزة في مدن ليبية أخرى وتأمينها عسكريا وعدم الاكتفاء بفكرة نقاء الحواضن الاجتماعية تماما، بعد أن أثبتت معركة غريان عدم استبعاد اختراقها من قبل حكومة الوفاق.
ويحتاج تأمين المناطق التي يسيطر عليها الجيش الليبي توفير عناصر كثيرة من قواته وسدّ بعض الثغرات في الطرق المؤدية إليها، وهو ما يجري العمل عليه حاليا، بجانب الاعتماد على سلاح الجوّ في استهداف التمركزات الجديدة للكتائب المسلحة التابعة لحكومة الوفاق.
ولفت البعض من المراقبين إلى خطورة التغير السريع في تحالفات القوى الليبية مع الجيش الوطني، وهي المشكلة التي لن يتم حلها دون حدوث تفوق كاسح يحسم المعركة لصالحه، لأن بعض الأطراف تمسك العصا من منتصفها الآن خشية تبعات الانحياز إليه في لحظات الارتباك وخوفا من انتقام الطرف المقابل حال تفوقه.
واضطر الجيش الليبي إلى الانسحاب من بلدة غريان وعدم الدخول في معارك طويلة حفاظا على أرواح قادته العسكريين وتأمينا لانسحابهم، لأنه أخطأ مبدئيا في عدم الاحتفاظ بقوات كبيرة في هذه القاعدة الرئيسية، وبالغ بإعطاء الثقة في عناصر محلية والتعويل على الحاضنة الاجتماعية للدفاع عن المؤسسة العسكرية.
وأعلن المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب”، أن القوات الموالية لحكومة الوفاق “تبسط سيطرتها على وسط غريان، وفندق الرابطة، ومستشفى المدينة، وكافة مراكز السيطرة بالمدينة”.
وأشار إلى أن قوات “بركان الغضب” اقتحمت مقر غرفة العمليات للواء عبدالسلام الحاسي، ومعسكراته بالكامل، بعد “انتفاضة من الداخل”، ووصول دعم من خارج المدينة.
وقامت قوات الوفاق، فجر الأربعاء، بهجوم مفاجئ على مناطق شمال غريان، وسيطرت على منطقة بوشيبة، ثم زحفت على بلدة القواسم، التي تعتبر البوابة الشمالية لغريان. وفي نفس الوقت، شنت قوة حماية غريان (مسلحون محليون)، هجوما على قوات حفتر المتمركزة وسط المدينة، وخاضت معها حرب شوارع.
وقالت مصادر ليبية لـ”العرب” إن الجيش الوطني فوجئ بالعملية المضادة التي اعتمدت على تفاهمات سابقة بين حكومة الوفاق وما يسمى بـ”قوات حماية غريان” المكونة من ميليشيات محلية كانت في السابق تابعة لقوات “فجر ليبيا”.
واتفقت “حماية غريان” من قبل مع الجيش الليبي على مساندته ثم نقضت اتفاقها أخيرا معه وانحازت لمنافسيه، الأمر الذي يفسّر انقلاب الميزان العسكري في هذه البلدة، والذي منح شحنة معنوية مهمة للميليشيات المسلحة التي كانت على وشك الانهيار.
ويمثل فقدان بلدة غريان ضربة قوية للجيش الليبي، لأنها شريان الإمداد الحيوي في عملية تحرير طرابلس من الكتائب المسلحة، ما يؤثر على سير المعارك المقبلة.
وأضافت المصادر أن قوات أسامة الجويلي تمكنت من السيطرة على بلدة غريان بناء على خطة محكمة شرعت في تجهيزها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وبدعم من تركيا وقطر، منذ حوالي شهر، وتقوم على تجهيز عدد كبير من المسلحين للالتفاف على البلدة، وتوظيف طبيعتها الصحراوية وبعض العناصر المحلية لحرمان الجيش من استخدامها كقاعدة خلفية له.
وقال الباحث الليبي عبدالقادر اللموشي إن قوات الجويلي تحركت من جهة الغرب وقامت حكومة الوفاق باتخاذ حزمة إجراءات في سرية لخلق مناخ محلي مساند للعملية، ولجأت فيها إلى تقديم رشاوى سخية، بهدف تحقيق اختراق داخل البنية الاجتماعية لبلدة غريان، واستمالة عدد من الأشخاص لتسهيل مهمة فتح الطريق إليها.
وأشار اللموشي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الجيش الليبي فضل الانسحاب من قاعدة غريان عن الدخول في معارك طويلة للدفاع عنها، خوفا من وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين بصورة قد تحرف العملية العسكرية التي يقوم بها عن مسارها الوطني، في وقت لا تزال لديه بعض الأوراق المهمة التي سيقوم بتفعيلها لضبط التوازن لصالحه.
ويملك الجيش الوطني قاعدة عسكرية أخرى مهمة في ترهونة القريبة من طرابلس، والتي سيتم توفير المزيد من التأمين لها، والاعتماد عليها في الفترة المقبلة لاستعادة غريان قبل إحكام السيطرة عليها من جانب قوات أسامة الجويلي وميليشيات أخرى، لأن استمرار فقدانها سيضاعف من صعوبة معركة تحرير طرابلس ويمدد أجلها.
واعتبر الناشط السياسي الليبي صلاح البكوش في اتصال هاتفي مع “العرب” من العاصمة الليبية طرابلس، أن دخول غريان يعدّ تطورا مفصليا في المعركة الدائرة منذ مدة.
وأضاف أن خسارة الجيش الليبي لمدينة غريان ستكون لها تداعيات مباشرة على مجريات المعركة، باعتبار أن غريان يوجد بها أكبر مخازنه للذخيرة والسلاح، كما أنها تُعد ممر إمداد رئيسيا لا يمكن الاستغناء عنه.
وتُعتبر غريان أكبر مدينة في منطقة الجبل الغربي من حيث عدد السكان والمساحة، وهي معبر حيوي لسكان الجبل الذين يتخطى عددهم نصف مليون نسمة في طريقهم إلى العاصمة طرابلس.
ولا تزيد المسافة بين غريان وطرابلس عن 85 كلم، وهي بذلك تشكل أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تعد المدخل الغربي لطرابلس، ومن يسيطر عليها كليا ويتمركز فيها يمكنه السيطرة على العاصمة.
وكانت قوات الجيش الليبي قد سيطرت على مدينة غريان في عملية خاطفة نفذتها في الخامس من أبريل الماضي، وذلك في أول تقدم لها نحو العاصمة طرابلس، الأمر الذي غير في حينه قواعد الاشتباك الميداني، وأربك صفوف الميليشيات المُنتشرة في طرابلس، وبقية المناطق الغربية.
وعلى وقع هذه التطورات، حاولت “العرب” الاتصال هاتفيا باللواء عبدالسلام الحاسي دون جدوى، وذلك في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر عسكرية ليبية عن “خيانة” أدت إلى سقوط غريان بهذا الشكل المفاجئ.