نظرة إلى مستقبل السعودية الجديدة
وجهت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب رسالة حادة إلى إيران من خلال ما يتم تداوله عن قيام الولايات المتحدة بتزويد السعودية بتقنيات متقدمة لبناء مفاعلات نووية، في خطوة تكشف حجم الرهان الأميركي على السعودية الجديدة التي نجحت في إعادة التوازن في المنطقة بعد أن وجدت إيران، ولسنوات، أن المجال مفتوح أمامها كقوة وحيدة.
ويتزامن هذا مع نجاح المملكة في لعب ورقة الاستثمارات لتثبيت موقعها الإقليمي والدولي، وهو ما عكسته النتائج التي أفضت إليها زيارتا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان والهند، ثم زيارته إلى الصين.
وعلى الرغم من تأكيد الرياض وواشنطن على سلمية التعاون النووي، إلا أن الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس الأميركي يعد تطورا بارزا في سياق الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الحليفة في المنطقة على النظام الإيراني.
وقلل مراقبون من الضجيج في الكونغرس حول تحقيق يجري للتأكد من مسألة احتمال قيام ترامب بتوفير تقنيات متقدمة للسعودية في مجال الطاقة النووية، واعتبروا أن الأمر محصور بمماحكات داخلية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأن الأمر لن يطول ملفا استراتيجيا على هذا المستوى بين البلدين المتحالفين.
وكانت لجنة في مجلس النواب الأميركي قد أعلنت، الثلاثاء، أنّها فتحت تحقيقا لتحديد ما إذا كان ترامب يسعى لبيع تكنولوجيا نووية حسّاسة إلى السعودية تحقيقا لمصالح شركات أميركية مناصرة له.
وقالت لجنة الرقابة والإصلاح المكلّفة بهذا التحقيق إنّ “العديد من المبلّغين عن المخالفات” حذّروا من تضارب مصالح “يمكن أن يندرج تحت نطاق القانون الجنائي الفيدرالي”.
ولا يمكن للولايات المتحدة قانونا أن تنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى ما لم تحصل على ضمانات بأنّ هذه التكنولوجيا ستستخدم حصرا لغايات سلميّة لإنتاج الطاقة النووية.
وقالت مصادر أميركية مطلعة إن حيثيات التحقيق تكشف أنه لا يعدو كونه تصفية حساب محلية وجدت في الملف النووي السعودي مناسبة لذلك.
واستوعبت إدارة ترامب، التي توصف بالبراغماتية، أخيرا أن السعودية لا يمكن أن تظل حبيسة الصورة القديمة التي يراد لها أن تقف مهمتها عند تنفيس أزمات الشركات الأميركية، وأن الأمر تغير في السنوات القليلة الماضية بشكل جذري، حيث كفت الرياض عن أن تلعب دور الحليف التقليدي الذي يضع بيضه في سلة واحدة، وبدأت بتنويع الحلفاء في مختلف المجالات بما في ذلك الحيوية منها، أي شراء الأسلحة، فضلا عن التفكير بحيازة مفاعلات نووية في سياق تحقيق التوازن مع إيران.
وأثارت التقارير بشأن “السعودية النووية” قلق طهران، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى وصف تزويد السعودية بالتكنولوجيا النووية بأنه دليل على “الرياء الأميركي”.
وندد ظريف في تغريدة عبر حسابه على تويتر بخطة واشنطن الرامية لتزويد الرياض بالتكنولوجيا النووية.
ومثل الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بمثابة المنعرج في السياسة السعودية. ومباشرة بدأت الرياض في بناء علاقات جديدة على قاعدة المصالح مع الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وباكستان ودول أوروبية مختلفة.
وقابلت السعودية الجديدة مساعي الابتزاز التي تتخفى وراء يافطات حقوقية بحزم كبير، وهو ما عكسته ردة فعلها الحادة على مواقف كندية وألمانية عمدت إلى التوقف عن تنفيذ اتفاقيات لبيع الأسلحة، وهو ما أنتج تغيرا جذريا في الأداء الغربي.
واعتبر خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن قرار ترامب بشأن التعاون النووي مع السعودية يندرج ضمن سعي غربي لدعم المتطلبات الدفاعية للسعودية، وأن الأوروبيين أنفسهم يرون أن قرار ألمانيا بحظر بيع السلاح إلى السعودية هو قرار خاطئ ومعزول ولا يخدم استراتيجيات الأمن في العالم الغربي.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الأربعاء، أنه سيبحث مسألة تجميد صادرات الأسلحة إلى السعودية مع نظيره الألماني هايكو ماس بعد تقرير أفاد بأن لندن بعثت رسالة إلى برلين تحتج فيها على قرارها بحظر بيع الأسلحة إلى المملكة.
وأوقفت برلين صادراتها من الأسلحة إلى السعودية في أكتوبر الماضي إثر جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
ولقي قرار ألمانيا بتجميد صادرات الأسلحة إلى السعودية معارضة كذلك من قوى أوروبية أخرى من بينها فرنسا، حيث وصفه الرئيس إيمانويل ماكرون بـ”الديماغوجية البحتة”.
وقال الوزير البريطاني إنه سيركز خلال محادثاته مع نظيره الألماني على أهمية “الشراكة الاستراتيجية” مع الرياض بما في ذلك جهود التوصل إلى سلام في اليمن، مضيفا أنه “عندما أتحدث إلى هايكو ماس، ما سأقوله هو أن الشراكة الاستراتيجية التي تربط بريطانيا بالسعودية هي التي تسمح بأن يكون لنا تأثير كبير لإحلال السلام في اليمن”.
وأضاف “الواقع أنني أذهب إلى حدّ القول إنه من دون هذه الشراكة الاستراتيجية لما كنا تمكنا من المضي قدما في اتفاق ستوكهولم” في إشارة إلى اتفاق الحديدة باليمن.
وذكرت صحيفة “دير شبيغل” أن لندن دعت في رسالتها برلين إلى استثناء مشاريع أوروبية دفاعية كبرى مثل طائرات “يوروفايتر” أو “تورنادو” من حظر الأسلحة.
وتستخدم مكونات ألمانية في صناعة طائرات يورفايتر وتورنادو. وبالتالي فقد كان للحظر تأثير على شركات أوروبية أخرى مشاركة في بناء تلك الطائرات.
وتعتبر مراجع أوروبية أن برلين اتخذت قرارا لا يتطابق مع المصالح الصناعية الأوروبية، في وقت نشرت فيه صحف فرنسية أن الحظر الألماني صوري بالنسبة للأوروبيين والرأي العام الدولي، لأنه يجري الاستمرار في بيع الأسلحة الألمانية للسعودية من خلال قناة خلفية يرعاها رجال أعمال ألمان.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وجه، في أكتوبر الماضي، انتقادات غير مباشرة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما ندد بـ”الديماغوجية” التي تحرك دولا مثل ألمانيا تريد وقف تصدير السلاح إلى السعودية إثر مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وانتقد ماكرون ميركل عندما وصف بـ”الديماغوجية البحتة” خطوات دول على غرار ألمانيا التي تريد وقف تصدير السلاح إلى المملكة العربية السعودية بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
واعتبر “أن الكلام عن وقف بيع السلاح إلى العربية السعودية هو من باب الديماغوجية البحتة“.
وتساءل ماكرون، في مؤتمر صحافي في سلوفاكيا “ما الصلة بين مبيعات السلاح ومقتل السيد خاشقجي؟ أنا أفهم الصلة مع ما يحدث في اليمن، لكن لا صلة لذلك بالسيد خاشقجي، هذه ديماغوجية محضة، أن نقول لا بد أن نوقف مبيعات السلاح، هذا لا علاقة له بالسيد خاشقجي”.
ويخلص خبراء في شؤون العلاقات الأوروبية الخليجية إلى أن أوروبا تعتبر أن تسليح السعودية وضمان أمنها الاستراتيجي جزء من أمن العالم واستقراره لتدعيم دولة أساسية في مكافحة الإرهاب مقابل السلوك الإيراني المهدد لهذا الاستقرار.
ويضيف هؤلاء أن هناك جدلا في العواصم الأوروبية كما في واشنطن بعدم الخلط ما بين الحسابات المحلية ومسائل العلاقات الاستراتيجية مع الشرق الأوسط لاسيما مع حليف تاريخي عريق كالسعودية؟