الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته أمام القمة الأفريقية
من قلب مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، جددت مصر دق ناقوس الخطر من تصاعد الدور التركي في القارة السمراء بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص.
وعقب تسلم مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، حذّر وزير الخارجية المصري سامح شكري، من دور أنقرة في القارة الأفريقية، مشددا على ضرورة مواجهة أي تدخلات خارجية، خاصة مع انكشاف دور البعض في دعم التنظيمات الإرهابية.
تحدي كبير لمصر
ومع قيادة مصر للقارة، تصبح المخاطر التركية من أبرز التحديات التي تواجه القاهرة، خلال عام 2019، حيث قال محمد حامد، الخبير في الشأن التركي، إن التدخلات التركية في أفريقيا تمثل تحديا كبيرا للقارة، مشيدا بتصريحات المسؤولين المصريين التي لفت انتباه القادة الأفارقة والمجتمع الدولي إلى هذا الخطر.
واعتبر حامد، خلال تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن التحدي بالنسبة لمصر يتمثل في ضرورة فصل السياسة عن الاقتصاد، خلال اتخاذ إجراءات مباشرة لوقف النفوذ التركي في أفريقيا، موضحا أن الاقتصاد هو ورقة رجب طيب أردوغان لبسط سيطرته على دول القارة.
وتصدرت قضايا مكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة والحرب الأهلية، وأزمة النزوح في القارة والأزمة الليبية، مناقشات قادة القمة الأفريقية الـ32 التي انعقدت في أديس أبابا، الأسبوع الجاري، وأكدوا على ضرورة توحيد الرؤى للنهوض بقارتهم.
من جانبها، ثمنّت أسماء الحسيني، الباحثة في الشؤون الأفريقية، تحرك الدول الأفريقية لمناقشة أزمات القارة، وبالأخص الأزمة الليبية، ومخاطر التنظيمات الإرهابية المسلحة في القارة التي تتلقى دعما مباشرا من تركيا لخدمة مصالحها، وذلك تطور إيجابي في هذا التوقيت.
تدخلات سلبية في ليبيا
"تأمين الحدود المصرية – الليبية يكلفنا الكثير من الجهد والموارد والشهداء".. بهذا التصريح شدد وزير الخارجية المصري على ضرورة وقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي وقطع الطريق على قنوات الاتصال بين التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها هناك.
وعلقت الباحثة أسماء الحسيني على كلمات الوزير شكري، قائلة: "احتواء الأزمة الليبية والإشارة لها في قمة أفريقية، أمر بالغ الأهمية لأن ليبيا دولة جوار لمصر وتشاد والنيجر والسودان"، واصفة التدخلات التركية فيها بـ"السلبية" التي تجلب فقط الأزمات، بدعم أطراف بالداخل بالأسلحة.
ونقلت مجلة "أورينت 21" الفرنسية، على لسان دبلوماسيين فرنسيين، ملامح التدخلات التركية التي تزيد من تمزق ليبيا، خاصة أنها تزعم التدخل للوساطة، رغم كونها طرفا غير محايد لا يقدم أي مبادرات مباشرة.
الدبلوماسيون الفرنسيون نوهوا إلى أن تركيا تدعم الإخوان مباشرة للسيطرة على قطاعات الدولة الليبية، علاوة عن دعمها لتحالف "فجر ليبيا"، وهو تحالف مسلح في طرابلس موالٍ لحكومة رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج المقربة من الإخوان.
وألمحت إلى أن مطامع أردوغان في ليبيا لا تنتهي، بدأت مع أحداث فبراير/شباط 2011، بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم جماعة الإخوان، ثم توغل النفوذ التركي بمحاولات السيطرة على حقول الغاز والنفط، إضافة إلى مرحلة إعادة إعمار المناطق المحررة من الإرهاب.
ومنذ تولي أردوغان الرئاسة، في أغسطس/آب 2014، زار نحو 21 دولة أفريقية، من بينها السنغال وموريتانيا ومالي والصومال وجيبوتي وإثيوبيا. وأصبح لدى أنقرة 41 سفارة في القارة.
ورقة إعادة الإعمار
وقبل 20 عامًا، وتحديد في عام 1998، بدأت الحكومة التركية في إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الدول الأفريقية ومناطق جنوب الصحراء، معلنة خطة تحت مسمى "الانفتاح على أفريقيا"، وخلال الـ 10 سنوات الماضية، اعتمدت أنقرة وثيقة الشراكة التركية – الأفريقية الاستراتيجية، ليصبح الاقتصاد بوابتها للتوغل داخل القارة السمراء.
وأشار محمد حامد، إلى أن استهداف تركيا اقتصاد أفريقيا، عن طريق إنشاء المؤسسات والبنية التحتية، وإعادة إعمار الدول بعد مرحلة الحروب والنزاعات المسلحة التي تعاني أغلب دول القارة منها، مؤكداً على أن حكومة أردوغان تلعب دورا غير بريء فيها، خاصة أنها قوة إقليمية غير أفريقية.
واستشهد حامد، بأمثلة توسع نفوذ أنقرة في القارة، وخلال تنظيم أنجولا لكأس أمم أفريقيا 2010، قامت الشركات التركية بتأسيس ملاعب الكرة والبنية التحتية لاستقبال البطولة، ويتشابه الحال في السنغال والنيجر.
وبحسب مواقع تركية وقعت أنقرة اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري مع نحو 46 دولة أفريقية، إضافة لعقد اجتماعات لجان اقتصادية مشتركة مع 27 دولة، ومجلس علاقات اقتصادية خارجية مع 43 دولة أخرى، ولم يتوقف التوسع التركي عند الاقتصاد فحسب، بل سيرت أنقرة رحلات جوية منتظمة إلى 35 دولة في أفريقيا خلال العام الماضي.
فرص وتحديات
وكشف مركز أبحاث سويدي، أدلة جديدة تثبت علاقة أنقرة بالتنظيمات الإرهابية، وإرسال الاستخبارات التركية مئات الآلاف من الدولارات إلى حركة الشباب الصومالية التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف منذ تأسسها في 2004، لتمتد جرائمها إلى كينيا وعدد من دول الجوار.
الباحثان الحسيني وحامد أكدا أن تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في هذا التوقيت يمثل فرصة عظيمة، لاتخاذ إجراءات مناسبة للتصدي للخطر التركي ودعمه للإرهاب، خاصة أن القاهرة لديها تجربة ناجحة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، مشددين على ضرورة التحرك في المحافل الدولية وكشف حقيقة دور أنقرة في القارة.
وأرجع الباحث محمد حامد، أسباب توغل تركيا في أفريقيا، إلى رغبة أردوغان في توسع نفوذه، ونهب ثروات القارة لصالحه، واستغلالها كساحة لمعاركه مع خصومه.