ماكرون يوظف السجل الحقوقي للضغط على مصر سياسيا

الثلاثاء 29 يناير 2019 3:02 م
ماكرون يوظف السجل الحقوقي للضغط على مصر سياسيا

الملف الحقوقي لا يفسد للود قضية

جنوب العرب - القاهرة

الوضع الحقوقي لطالما شكل ورقة ضغط لدى الحكومات الغربية على مصر، ولم تشذ زيارة الرئيس الفرنسي الأولى للقاهرة منذ تسلمه منصبه عن هذه القاعدة، لا بل إنه صعد النبرة الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة حول الغايات الحقيقية لإثارة هذا الملف بهذه الحدة وعما إذا كان الهدف من ذلك هو الضغط على مصر لحصد مكاسب سياسية في عدد من الملفات الإقليمية وعلى رأسها الأزمة الليبية.

 طغى ملف حقوق الإنسان على المؤتمر الصحافي الذي عقد في القاهرة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وظهر جليا تركيز الصحافيين المصريين والفرنسيين على الملف دون إبداء اهتمام من قبلهم بقضايا إقليمية أو أخرى متعلقة بعدد من الاتفاقات التي وقع إبرامها قبل المؤتمر.

وقال الرئيس الفرنسي إنه لا يتدخل في الشأن المصري، لكنه ينظر بقلق إلى الوضع الحقوقي في مصر الذي بدا أسوأ مما كان عليه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاحت به احتجاجات في العام 2011.

وأضاف ماكرون أنه أبلغ السيسي بأنه لا يمكن فصل الاستقرار والأمن عن حقوق الإنسان، موضحا “الاستقرار والسلام الدائمان يسيران جنبا إلى جنب مع احترام الكرامة الفردية وسيادة القانون”.


وعلق السيسي قائلا إنه يجب النظر إلى حقوق الإنسان في سياق الاضطرابات الإقليمية والحرب على الإرهاب. وأضاف “مصر لا تقوم بالمدونين وإنما تقوم بالعمل والجهد والمثابرة من جانب أبنائها”.

وكان ماكرون قد أطلق تصريحات لاذعة في مستهل زيارته إلى القاهرة حول تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر وضرورة مناقشة السيسي بشأنها. وأثارت النبرة الفرنسية التساؤلات بشأن الدوافع الحقيقية خلف الاهتمام الكبير بإثارة تلك المسألة والتي جاءت على حساب قضايا أخرى كانت أكثر أهمية لدى الفرنسيين حتى وقت قريب، ومنها قضية الهجرة غير الشرعية.

وكشف تلويح ماكرون المفاجئ بمناقشته لقضية مواطنه الفرنسي إيرك لانغ، المعلم الذي عثر عليه مقتولا في سبتمبر عام 2013 داخل زنزانة بأحد أقسام الشرطة بالقاهرة، ما تفرضه الحكومة الفرنسية من ضغوط مباشرة وقوية على مصر.

وعلى الرغم من صدور حكم في حق ستة أشخاص كانوا معتقلين مع لانغ، قاموا بضربه حتى لقي حتفه، إلا أن باريس استجابت لدعوات أسرة المعلم الفرنسي ورفضت الرواية المصرية وسط وعود من ماكرون بكشف الحقيقة كاملة.

ويعيد فتح قضية لانغ إلى الأذهان أزمة مقتل جوليو ريجيني الطالب الإيطالي الذي عثر على جثته في القاهرة في يناير 2016 واتهمت فيه إيطاليا جهات أمنية مصرية بقتله. وتبدو مصر في مواجهة حلقات متصلة من الضغوط في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وسط شكوك مبررة، وفق كثيرين، بأن غايات مطلقيها تحقيق مكاسب سياسية معينة. ومع كل زيارة لقوة غربية تصبح مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في مصر منغصات تداهم العلاقات الوثيقة مع تلك الدول والمصالح المشتركة التي تجمعها.

وتظهر وتخبو قضايا حقوق الإنسان مع كل حدث سياسي أو تغيير في سلطة أو فاعلية، ومن ضمن تلك الأمثلة العودة المفاجئة لقضية ريجيني بعد سكوت تام لقرابة العامين، منذ ثلاثة أشهر، وتوجيه البرلمان الإيطالي اتهامات لضباط مصريين بقتل الطالب الإيطالي.

ويتوازى الحراك الإيطالي وقتها مع مؤتمر باليرمو لمناقشة خارطة الطريق في ليبيا بحضور مصري رسمي ليشكل حلقة جديدة من الصراع الفرنسي الإيطالي المحتد على قيادة الملف الليبي، لاسيما مع بروز اتهامات للمؤتمر بأنه استنساخ لإعلان باريس الذي عقد في مايو عام 2018.

وتمثل القاهرة لكل من روما وباريس رمانة ميزان في الملف الليبي بسبب تأثيرها القوي في المحيط الداخلي وعلاقتها الوثيقة مع خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وهو ما يعزز آمال الطرفين نحو خلق حلف مع قطب أساسي في استقرار الشرق الأوسط.


وقال جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن قضية حقوق الإنسان تعد أحد أوجه الضغط السياسي التي من الممكن أن تحقق نتائج مرجوة على المستوى الاقتصادي والعسكري، وأن ذلك يكون أكثر إيجابية في حالة فرض هذا النوع من القضايا على الحكومات التي لا تجيد التسويق لنفسها خارجيا لتحسين الصورة المغلوطة عنها في الدوائر التي تسعى للضغط إعلاميا عليها.

وأضاف لـ”العرب” أن القاهرة استدركت خطأ ارتكانها الدائم على توجيه انتقادات سياسية للمنظمات ووسائل الإعلام الدولية والتي كانت تتهمها دائما بالتعاون مع جماعة الإخوان أو التنسيق مع الدول الإقليمية المعادية لها، عبر إصدار بيانات تفصيلية بالرد على ما يأتي في هذه التقارير، لكن المشكلة الأكبر تكمن في وصول هذه التقارير إلى الرأي العام العالمي والاقتناع بها.

وقبل شهرين أعلنت الحكومة إنشاء لجنة دائمة من مهامها الرد على الانتقادات الموجهة لسجل البلاد في حقوق الإنسان، يترأسها سامح شكري وزير الخارجية.

وأشار إسحاق إلى أن اللجنة الوزارية بدأت التنسيق مع المجلس القومي لحقوق الإنسان (حقوقي حكومي)، للرد على ما يأتي في التقارير الخارجية إما بالتأكيد وإما بالنفي أو تصحيح ما يأتي فيها من معلومات، وأن الهدف العام يكمن في الوقوف كحائط صد أمام محاولات استغلال السجل الحقوقي في الضغط على القاهرة سياسيا، تحديدا مع استمرار فتح ملف الباحث الإيطالي ريجيني، بالإضافة إلى توالي الطلبات التي تلقتها الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة للإفراج عن المسجونين.


ورغم ما تحاول مصر تحقيقه من توازن سياسي في المحيط الإقليمي المتأزم، إلا أنها دائما ما تتعرض لمحاولات استقطاب، وشد وجذب بين قوى دولية متناحرة تسعى لفرض وصاية على ملفات إقليمية ومنها قضية السلام والاستقرار في ليبيا.

ويرى مراقبون أن رسائل ماكرون الحادة حول الأوضاع الحقوقية في مصر، والتي وصفها بأنها تحولت من مجرد ريبة من بعض القوى السياسية مثل الإخوان إلى اعتقال مستمر لمعارضين في المعترك الديمقراطي التقليدي ومنهم صحافيون، ومثليون جنسيا لا يهددون النظام، لا تبدو متسقة مع الشكل التعاوني الاقتصادي والعسكري بين البلدين.

ويقول هؤلاء إن خلق توازنات سياسية في الشرق الأوسط يحتاج دائما إلى أوراق ضغط لتحقيق المزيد من المكاسب، وهو ما تسعى فرنسا إليه الآن لتحسين موقفها في ليبيا لاسيما أن صراعها مع إيطاليا خرج من الغرف المغلقة إلى العلن بعد أن اتهم مسؤولون إيطاليون ومنهم نائبا رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو، فرنسا، بأنها ليست لها مصلحة في استقرار ليبيا، وتعمل على إشاعة الفقر في أفريقيا. واستدعى ذلك رد ماكرون على تلك الانتقادات بأنها بلا قيمة أو أهمية.

وأشار النائب البرلماني ورئيس جمعية الصداقة المصرية الفرنسية، أيمن أبوالعلا، إلى أن الحكومة تتعامل مع إثارة ملف حقوق الإنسان بشكل متتال من الجانب الفرنسي عبر اتجاهات عدة، أولها الرد المباشر على ما تتلقاه من تقارير، بالإضافة إلى زيادة التنسيق بين البلدين والذي وصل إلى مستويات مرتفعة لم تصل إليها من قبل سواء عبر مواجهة الهجرة غير الشرعية أو التنسيق الاستخباراتي بشأن العناصر الإرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام التعرف على حقيقة الأوضاع الداخلية.

وأوضح لـ“العرب” أن قضية حقوق الإنسان ليست أولوية الزيارة الحالية للرئيس الفرنسي ولكنها جزء منها، بيد أنه جرى تضخيمها من قبل أطراف، فضلا عن أن زيادة الانتقادات الموجهة إلى الرئيس الفرنسي دفعته لمناقشتها.ش

التعليقات

تقارير

الثلاثاء 29 يناير 2019 3:02 م

اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن زعيم جبهة التحرير الوطني وحكيم الثورة العربي بن مهيدي "قتله عسكريون فرنسيون"، وذلك بمناسبة الذكرى السبعين لا...

الثلاثاء 29 يناير 2019 3:02 م

لا تزال التكهنات تتواصل حول مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله وكيفية معرفة إسرائيل بمكانه كان أحدثها ما قاله زعيم مليشيات موالية لإيران في العراق.وفي لق...

الثلاثاء 29 يناير 2019 3:02 م

هل نجا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من محاولة اغتيال؟** هذا السؤال يتصدر المشهد بعد إعلان استهداف منزله في قيساريا، وسط تكهنات وتكتم حول ال...