النظام القطري يعمل على تجنيس الإخوان ليحلوا مكان أهل البلاد الأصليين
عاما بعد عام، وموقفا تلو موقف، تثبت الأيام والمواقف مدى حكمة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، حين تنبهت منذ وقت مبكر لخطورة لعبة "التجنيس" التي تقوم بها قطر على أمن واستقرار المنطقة من جانب، وحقوق وفرص مواطنيها الأصليين والتركيبة الديموغرافية بها من جانب آخر، ثم ضرب مفاهيم المواطنة والوطنية والولاء والانتماء بدول المنطقة من جانب ثالث.
الثلاثاء الماضي، ظهرت إحدى النتائج الخطيرة لما تقوم به قطر في ملف التجنيس على مرأى ومسمع من العالم، لاعب مجنس يقصي وطنه من بطولة رياضية ليس هذا فحسب؛ بل يحتفل سعيدا بتسجيله هدفا في بلده الأصلي.
الراوي وملف التجنيس
الحديث عن مدافع منتخب قطر بسام الراوي (21 عاما) نجل مدافع منتخب العراق هشام علي، لاعب الطلبة والزوراء سابقا، الذي سجل هدف الفوز ضد بلده الأصلي، الثلاثاء، ضمن دور الـ16 من كأس آسيا 2019 لكرة القدم في الإمارات، ليخرج من البطولة.
وتعرض الراوي الابن لهجوم عنيف على مواقع التواصل الاجتماعي لاحتفاله المبالغ به بفوز قطر على بلد جذوره بدلا من الاقتداء على الأقل باللاعبين الذين يواجهون أنديتهم السابقة.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها ملف التجنيس، فإنها كانت إحدى المرات الأبرز التي تظهر فيها قيام المال القطري بهدم المواطنة بوصفها إحدى أبرز قواعد وأسس قيام الدولة الحديثة.
ما تقوم به قطر في ملف التجنيس، وضع مفهوم المنتخب الوطني نفسه موضع تساؤل، وبدأ الكثيرون يتساءلون عن الجدوى من إقامة بطولات بين الدول إن كانت هناك دول تستطيع بأموالها تشكيل منتخب من المجنسين من دول العالم.
وسبق أن أثار منتخب قطر لكرة اليد ذو الـ11 جنسية من 4 قارات جدلا واسعا خلال كأس العالم لكرة اليد 2015 التي استضافتها الدوحة، وحل فيها في المركز الثاني.
آنذاك، وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية منتخب الدوحة بأنه فيلق من مرتزقة يرتدون قمصانا باللونين الأبيض والعنابي ومرسوم عليها عبارة قطر.
حكمة الرباعي العربي
ورغم أن التجنيس ليس حكرا على قطر، وليست بدعة منها؛ لكن الإشكالية أن ملف التجنيس في هذه الدويلة لا يقتصر على مجال الرياضة ولا المنتخب فحسب؛ بل يمتد إلى كل المجالات، وفي مختلف المؤسسات، إذ فتح الإغراء بالمال أمام تنظيم الحمدين أبواب استقطاب كل شخص سيحقق فائدة من أي نوع، مستغلة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في دولهم الأصلية التي غالبا ما تكون الدوحة سببا فيها.
لم يتوقف ملف تجنس قطر على الرياضيين أو المتميزين في مجال ما فقط؛ بل باتت بوابة لتجنيس المعارضين نكاية في دولهم والإرهابيين لتوفير مأوى لهم يكون منطلقا لهم للإضرار ببلادهم.
كل ذلك تنبهت له الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، منذ عام ٢٠١٣، لذلك تم التوقيع على اتفاقية الرياض في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 التي أقر فيها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بالالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول مجلس التعاون عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.
ونتيجة عدم التزام الدوحة بالاتفاق حدثت أزمة قطر الأولى في 5 مارس/آذار 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وانتهت الأزمة في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بتوقيعها اتفاقاً جديداً في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 واتفاق الرياض التكميلي 16 نوفمبر ٢٠١٤).
أيضا كان عدم التزام قطر بكلا الاتفاقين أحد أبرز أسباب أزمتها الثانية بإعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها الدوحة منذ ٥ يونيو/حزيران ٢٠١٧ لدعمها الإرهاب.
مخاطر التجنيس
لا يخفى على أحد أن مخاطر ملف التجنيس تتمثل في تغيير التركيبة الديموغرافية في قطر، بما يشكله ذلك من خطر كبير على عادات وقيم وتقاليد وأخلاقيات المجتمع، وتضاؤل فرص ترقي واكتشاف مواهب المواطنين القطريين وتنميتها في ظل تكريس استقطاب المواهب من الخارج وتجنيسها والاعتماد عليها.
كما يخلق هذا طبقة جديدة من المجنسين تدين لتنظيم الحمدين بالولاء يمكن توظيفها لمصالح النظام على حساب القطريين أنفسهم، وتدمير مفهوم المواطنة أحد أبرز أسس وقواعد الدولة الحديثة ونشر ثقافة بيع وشراء الولاء والانتماء بالمال بما يشكل ذلك خطورة على الهوية الوطنية.
ويدمر هذا الملف مفهوم المواطنة بتوفيره بيئة خصبة لنشر فكرة الخلافة وهي الفكرة التي يدعو لها تنظيم الإخوان الإرهابي المدعوم من الدوحة، بما يعني أن قطر نجحت بالمال في تحقيق ما لم تنجح فيه بتحالفها مع التنظيم، خصوصا بعد كشف زيف أهداف ما يسمى "الربيع العربي ودور تنظيم الحمدين فيه".
التجنيس وقطر.. تاريخ أسود
لقطر تاريخ أسود في ملف التجنيس، فقد قامت خلال السنوات الماضية بمنح جنسيتها لعناصر إرهابية لجأت للدوحة واستخدمتهم للتخطيط وتنفيذ عمليات في الدول العربية.
ولعل الوجود القوي لقيادات التنظيم الإخواني، داخل الدوحة، وحصول بعضهم على الجنسية القطرية وعلى رأسهم المصري الأصل يوسف القرضاوي الذي تستخدمه الدوحة للهجوم على الدول العربية، كشف عن لعبة الدوحة وتنظيم "الحمدين" للإضرار بالمنطقة العربية.
أيضا ارتبط اسم الإرهابي عبدالعزيز المقرن بقطر، بعد أن كشف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، في وقت سابق، عن منح الدوحة جواز سفر قطريا للمقرن، مكنه من دخول أراضي المملكة العربية السعودية، حيث خطط لتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية.
وتزعم المقرن تنظيم القاعدة في السعودية لمدة ثلاثة أشهر، كانت الأكثر دموية في تاريخها.
أيضا ليس ببعيد عن هذا الجانب ما يقوم به العاملون في قناة الجزيرة وإعلام قطر ضد دولهم تحت إغراء المال أو الانتماء الأيديولوجي، الذي يستميت بعضهم في الهجوم على بلاده وتشويه صورتها كقربان لتنظيم الحمدين في سبيل حصوله على الجنسية، التي باتت هدية جاهزة لخونة أوطانهم لصالح أهداف التنظيم.
قبيلة الغفران.. مفارقة عجيبة
المفارقة الغريبة أنه في الوقت الذي يبيع فيه تنظيم الحمدين جنسية قطر لكل من يقدم خدماته للتنظيم فإنه ينتزعه من أبناء البلد الأصليين.
وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة "الغفران" منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري وتهجير السكان على نطاق واسع، ما يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي وانتهاك اتفاقية حقوق الطفل.
وقبيلة الغفران، إحدى الفروع الرئيسية لعشيرة "آل مرة" التي تشكل -بحسب أحدث الإحصاءات- ما بين 50% و60% من الشعب القطري.
وكانت عشيرة "آل مرة" قد رفضت انقلاب حمد أمير قطر السابق ووالد الأمير الحالي على أبيه للاستيلاء على الحكم عام ١٩٩٥، ما عرض أفراد ووجهاء القبيلة للتنكيل وسحب الجنسيات وإبعادهم من البلاد إلى دول أخرى مثل السعودية، حيث ينتشر أفراد قبيلة الغفران في المناطق الواقعة على طول حدود البلدين.
ومرارا خلال الفترة الماضية، طالب أبناء القبيلة المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بمساعدتهم في تلبية عدة مطالب عاجلة، وفي مقدمتها استعادة الجنسية وتصحيح أوضاع أبناء قبيلة الغفران وإعادة المطرودين إلى عملهم ولمّ شمل العائلات واسترجاع الحقوق والمزايا بأثر رجعي.