هل يسرّع البشير تطبيع العلاقات مع إسرائيل لمواجهة أزمته الداخلية

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية الاثنين أن السلطات السودانية سمحت الأحد لطائرة إسرائيلية تقلّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمرور عبر أجواء جنوب السودان، في خطوة تعكس وفق مراقبين تقدّم الاتصالات بين الطرفين.

وسبق وأن تحدث نتنياهو عن إمكانية سماح الخرطوم لبلاده باستخدام مجالها الجوي، ما من شأنه أن يفتح الباب أمام مسار جوّي جديد باتجاه أميركا الجنوبية.

ومرّت الطائرة، التي تقل نتنياهو، في طريق عودته إلى إسرائيل من زيارة قصيرة إلى تشاد، فوق دولة جنوب السودان، التي يخضع مجالها الجوي لسلطات الطيران المدني في الخرطوم.

وقام نتنياهو الأحد بزيارة دامت ساعات إلى تشاد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الجانبين منذ العام 1972. وقبيل وصوله إلى نجامينا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي “إن هذه الزيارة تاريخية لدولة مسلمة تجاور ليبيا والسودان”.

واعتبر نتنياهو أن الزيارة “جزء من الانطلاقة في العلاقات الإسرائيلية مع دول عربية ومسلمة”. وأضاف أن “المزيد من العلاقات مع دول أخرى سيكشف عنها قريبا”.

وترتبط إسرائيل بعلاقات جيدة مع جنوب السودان، ولكن المجال الجوي لهذه الدولة الفتية يخضع لسيطرة الجارة الشمالية. وذكرت قناة “آي.نيوز 24” الإسرائيلية أن رحلة الأحد هي أول رحلة لطائرة إسرائيلية تمرّ فوق جنوب السودان.

واستقلّت جنوب السودان، عن السودان في العام 2011، ولكن بقي الطيران المدني في هذه الدولة ومجالها الجوّي خاضعان لسيطرة الخرطوم.

وطلب مكتب رئيس الوزراء من صحافيين رافقوا نتنياهو إلى تشاد عدم نشر خبر مرور الطائرة فوق جنوب السودان قبل وصولها إلى مطار “بن غوريون” في تل أبيب، لدواعي أمنية. وكانت طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي اضطرت عند الذهاب إلى سلك طريق التفافية، حيث مرت فوق البحر الأحمر، وبعدها عبر المجال الجوي لإريتريا ثم إثيوبيا وكينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى قبل وصول المجال الجوي التشادي.

ويرى مراقبون أن سماح السلطات السودانية بمرور طائرة نتنياهو يعدّ تطورا لافتا في سياق العلاقة بين تل أبيب والخرطوم، وتؤكد أن التسريبات التي ضجت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية على مدار الأشهر الماضية بخصوص اتصالات متقدمة بين الطرفين صحيحة.

وكانت قناة العاشرة الإسرائيلية كشفت قبل فترة أن مبعوثا عن وزارة الخارجية الإسرائيلية التقى سرّا بمسؤولين سودانيين في مدينة إسطنبول التركية.

وأضافت أن المبعوث “اجتمع قبل سنة مع مجموعة من المسؤولين السودانيين على رأسهم أحد المساعدين المقربين من رئيس جهاز الاستخبارات السوداني في حينه محمد عطا”. وتقول أوساط سياسية سودانية إن الاتصالات بين الجانبين ليست حديثة بل جرى التمهيد لها منذ سنوات عبر وسطاء.

وتلفت هذه الأوساط إلى أن إسرائيل لم تعد ترى في السودان “دولة مارقة”، خاصة بعد الخطوات التي اتخذها نظام البشير بقطع علاقته مع إيران (2015)، حتى أنها ولمكافئته لعبت دورا رئيسيا في حثّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم في أكتوبر 2017.

ولا تستبعد الأوساط أن يسعى البشير إلى تسريع عملية التطبيع مع إسرائيل، خاصة في ظل الخطر الذي بات يتهدد نظامه، جرّاء الاحتجاجات المستمرة على حكمه، وله في خطوة الرئيس التشادي إدريس ديبي مثال.

وديبي أحد أقدم الحكام في أفريقيا. فقد تولى السلطة في الدولة القاحلة والفقيرة عام 1990 وفاز بولاية خامسة متنازع عليها في أبريل 2016. وفي ظل اهتزاز شرعيته على مستوى الداخل، يراهن ديبي على الدعم الدولي لاستمراره في قيادة البلد الذي يسكنه 15 مليون نسمة.

وتقول الأوساط إن البشير يرى في فتح علاقات مع إسرائيل تعبيد للطريق أمام تطبيع العلاقات بشكل كامل مع الولايات المتحدة، التي رغم أنها رفعت العقوبات الاقتصادية عنه بيد أنها ما تزال تدرج السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي يشكّل عائقا أمام المستثمرين الأجانب فضلا عن عزوف البنوك الدولية عن التعامل معه.

ويواجه البشير موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ 19 ديسمبر الماضي، جرّاء الأزمة الاقتصادية التي تتخبّط فيها البلاد، والتي أدّت إلى ارتفاع كبير في مستوى الأسعار، فضلا عن شحّ في المواد الأساسية.