سنعبر من المناصفة إلى المثالثة
قالت مصادر سياسية رفيعة المستوى في بيروت مع فتح باب الترشيح للانتخابات النيابية اللبنانية إن حزب الله، الذي ضغط من أجل حصول الانتخابات في موعدها، في السادس من مايو المقبل، يسعى إلى الحصول على أكثرية نيابية في المجلس الجديد. لكن السؤال الذي طرحته هذه المصادر وطرحه معها المواطنون اللبنانيون هو؛ ما الذي سيفعله الحزب الموالي لإيران بهذه الأكثرية التي بات متوقعا حصوله عليها بعدما وضع قانونا للانتخابات قائما على النسبية.
واعتبرت أنّ القانون الحالي الذي ستجري الانتخابات على أساسه يناسب حزب اللّه إلى حد كبير، بل وضع على مقاسه.
وأوضحت هذه المصادر أن الحزب الذي يمتلك مجموعة كبيرة من الناخبين قادر على تجييشها في الاتجاه الذي يريد، سيستفيد حتما من الانقسامات التي يعاني منها خصومه، على رأسهم تيار المستقبل الذي يتزعّمه سعد الحريري رئيس الوزراء الحالي.
وتوقعت تحقيق حزب الله اختراقا في الأوساط السنّية يسمح له بضمّ ما بين سبعة وثمانية نوّاب سنّة إلى كتلته النيابية. في المقابل، سيكون صعبا على سعد الحريري تحقيق أي اختراق يذكر في الأوساط الشيعية التي يسيطر عليها حزب الله وحركة أمل.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ غياب التفاهم بين المسيحيين، سيجعل من الصعب عليهم الوقوف في وجه طموحات حزب الله المستفيد من التحالف بينه وبين التيّار الوطني الحر، أي التيّار العوني والذي بات عمره اثنتي عشرة سنة.
وكان هذا التفاهم الذي وقعه رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في مثل هذه الأيّام من العام 2006 وفّر غطاء مسيحيا للحزب كان في أشدّ الحاجة إليه في السنوات الماضية. وزادت حاجة الحزب إلى هذا الغطاء بعد تورطه في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب النظام بناء على رغبة إيرانية.
وأعرب مسؤول لبناني عن اعتقاده أن حزب الله لن يتمكن، حتّى لو حصل على أكثرية في مجلس النوّاب الجديد، من إجراء تغيير جذري على الدستور اللبناني في اتجاه تحقيق المثالثة. وتعني المثالثة إحلال التقسيم بين السنّة والشيعة والمسيحيين في الدولة اللبنانية، بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي أقرّها اتفاق الطائف الموقّع في خريف العام 1989.
ومعروف أنّ أي تعديل للدستور في لبنان يتطلّب أكثرية الثلثين. لذلك، يتوقع المسؤول اللبناني أن تلعب الكتلة العونية التي يتزعمّها الوزير الحالي جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية، دورا في الحؤول دون تعديل اتفاق الطائف.
وذكّر هذا المسؤول أن من بين الشروط التي وضعها سعد الحريري على ميشال عون في مقابل انتخابه رئيسا للجمهورية، في أكتوبر من العام 2016، التزام رئيس الجمهورية باتفاق الطائف وعدم المساس بأي من بنوده، أي عدم المساس بالدستور المعمول به حاليا. ووافق عون على شروط الحريري وقبل التزامها بعدما أكّد أنّه “لا يخلّ بالوعود التي يقطعها”.
لكنّ هذا المسؤول حذّر من أنّ حزب الله سيكون قادرا على استخدام الأكثرية في البرلمان من أجل تمرير مشاريع قوانين معيّنة تتناسب ورؤيته للدولة اللبنانية ومؤسساتها.
وخلص هذا المسؤول إلى القول إنّ مثل هذا التوجّه يثير قلقا شديدا في أوساط أوروبية وعربية تعتقد أن سيطرة حزب الله على مجلس النواب اللبناني تشكّل تطورا مقلقا، حتّى لو كانت هذه السيطرة غير مطلقة.
ورأى الكاتب السياسي اللبناني محمد قواص أن الانتخابات تجري وفق قانون جديد معقد قد يحدث مفاجآت لكافة الأطراف.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “إن التوقعات تتحدث عن نتيجة مريحة لحزب الله وحلفائه، لكن لغة الأرقام ليست الفيصل في بلد تتنازعه الصراعات المذهبية والمصالح الإقليمية”.
وأضاف “أن انتخابات عام 2009 أظهرت تفوقا لتحالف 14 آذار في البرلمان ومع ذلك لم يستطع هذا التحالف فرض رؤاه السياسية، لا بل اضطر بقوة غير مرتبطة بالمشهد البرلماني للتراجع وتقديم التنازلات إلى درجة الإطاحة بحكومة سعد الحريري ودفع الرجل لمنفى دام خمس سنوات”.
ولفت إلى أن حزب الله لا يخطط للسيطرة على النظام السياسي، بل يسعى لإنتاج نظام سياسي يستطيع أن يحتمي به في مواجهة الضغوط الأميركية الدولية الحالية والقادمة ضد الحزب.
وخلص الكاتب اللبناني إلى أن أي أكثرية برلمانية لا يمكنها أن تفرض سياسة في لبنان وأن حزب الله مجبر على انتهاج تسويات مع بقية الفرقاء مهما كان حجمهم داخل البرلمان، خصوصا أن الوضع في سوريا ومأزق إيران الدولي لا يتيحان حتى الآن للحزب اعتماد خيارات تطيح بتوافقات الحد الأدنى المعمول بها حاليا.