عندما تكتب مرة في مديح الرأسمالية، ومرة في نقدها، ومرة في مديح الاشتراكية، ومرة في نقدها، وعندما تكتب في مديح الشيوعية ومرة في نقدها، فهذا يعني أنك أضعف من أن تبني رأياً. ربما. لكنه قد يعني أيضاً أن الأنظمة التي جرَّبها العالم، لم تستطيع أن تبني قاعدة لها. لقد وقعت الولايات المتحدة في أواخر عشرينات القرن الماضي في إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ، فيما يفترض أنها أقوى اقتصادات العالم. أفلست بنوكها، وجاع أبناؤها، وانتحر المفلسون من المباني العالية التي كانوا يملكونها. من أنقذها؟ ليست الشيوعية، التي كان ينادي بها كثيرون، ولا الاشتراكية التي هي تحت التجارب في دول أخرى. ولا الرأسمالية التي هي سبب العلة في الأزمة. أنقذها توافق وطني على الإنقاذ. واتفاق ضمني على تقاسم المسؤولية والثمن. وحتى في موسكو، كان لينين نفسه يرفع الستارة الجليدية قليلاً لكي يدخل شيئاً من نظرية السوق إلى الجدار المسدود. لم ينجح نظام معاند في أي مكان. تغير حال فرنسا عندما تقبَّل الاشتراكي فرنسوا ميتران النجاحات الرأسمالية التي سبقته ولم يحاول قلبها لكي يبدأ مغامرة جديدة في الخطب والهواء. وتغير حزب العمال في بريطانيا عندما استفاد من تجربة مارغريت ثاتشر ولم ينقلب عليها ويبددها. وها هي معالم الحياة تتغير في كوبا بعدما ارتضى راؤل كاسترو تسلم مذكرة التروي التي رفض فيدل تبلغها. لا عناد في حياة الشعوب. لو كان النظام السوفياتي قابلاً للتحديث، لما اهترأ وسقط. ولولا أن ادركت الصين بعد نصف قرن أن العناد الدوغمائي انتحار، لما حققت هذه الأعجوبة الاقتصادية التي لم يعرف التاريخ في مثل حجمها. طمر السوفيات الفرد من أجل الجماعة. طبعاً بصدق ونية حسنة. في غضون ذلك كان «فرد» أميركي يدعى هنري فورد يضاعف أجور عماله إلى 5 دولارات في اليوم، ويمكِّن معظم الأميركيين من شراء سيارة شعبية ثمنها 440 دولاراً، سميت الموديل “T”، أي نصف سعرها الأصلي. كان لفورد هدفان: الأول، أن يساعد الطبقة العاملة مثل الاشتراكيين، والثاني أن يحقق أرباحاً تمكنه من تحمل الأعباء. وعندما ضاعف أجور العمال، وخفض سعر السيارة، أصبحت لأية طبقة جديدة وواسعة: العمال أنفسهم، وفيما كان شعار السوفيات أن مصنع السيارات ملك للعمال، رئيسه وحده يقود سيارة، كان شعار فورد أن رجلاً واحداً يملك المصنع وجميع العمال يذهبون إلى بيوتهم في سياراتهم. العند جدار.