تعتبر خصوصية بعض المجتمعات صعبة لأنها متعلقة بالعقلية و تتطلب وقت للانسجام و التأقلم مع كل محيط جديد، كما أن المحيط العام الحالي يزاحمها شيئا فشيئا سيستغرق مدة من الزمان حتى يسيطر عليها بواسطة الجيل الصاعد و التحضر و التفتح على العالم الخارجي. هذا الصراع الخفي الظاهر نلاحظه في المجتمع و خاصة المحافظ و الوارث لعادات و سلوكات تتنافى مع الواقع المنطقي المتطور.
قد يكون في بعض السلوكات مثل الحفل في الشوارع للمجتمع البريطاني أثناء ولادة مولود لأميرة و انتظار مرورها بالمكوث حتى و لو ليلة في الشارع من طرف الشعب، هذا لا يضر ما دامت البلد متقدمة و متطورة. أما إذا كان بمثابة خمول المجتمع و فتح الباب للغير لتسيير شؤونه كما عبر عنه مالك بن نبي (شعب قابل للإستقلال) و هو ما نراه في البلدان النامية المغلوقة عن العلم و التفتح و الإعلام و مراجعه التاريخية. و هو شأن حالنا الذي يؤمن بالأشخاص و لا يفكر في الأحداث و لا بجوهر الفكرة.
إن التطرق لمعالجة الفكرة و كيف تجذرت و زرعت في مجتمعنا من الغرب ليستفيد من وضعياتنا السباتية على حقيقة حالنا، يتطلب إظهارها للعيان حتى يتجنبها الجيل و عندما تناقش هذه الفكرة تتضح الرؤية و لا تحتاج لا لسرد الأحداث و لا للأشخاص المدبرين و لا كيف جاءت و مَنْ ورائها و ما مستواه و ما يريد و كيف يخطط و يسهل لك التعامل و الجواب و التصدي و حتى الرد. و من هذا المنطلق و التنبيه يكشف لك المخطط المنفذ عليك و بواسطة وسائلك تستطيع تبديل الخطة بالعكس ضد منفذيها بعد التأمل و كسب الثقة بالنفس فتصحح مسارك معه.
من الوسائل التي تستعمل للكشف عن وجود هذا الجسد الغريب الذي تغلغل في مجتمعي هي في أول وهلة طرح السؤال، لماذا أتى و ما هي الوسائل و الكيفية المستعملة لفائدة مَنْ و كيف وظف أسباب التموقع في محيطي في الوجود من أجل مساعدتي و ما هي الوسائل المستعملة لمساعدتي من طرفه، هل كل هذا يعود لفائدتي أم لفائدته ؟. بعد التحليل تتضح لك الخطة الجهنمية المستعملة و غالبا ما تكون باسم الديمقراطية و تفتح الفرد و المساعدة في إزدهار البلد. فالديمقراطية و التفتح لكشف عيوبك أمام مجتمعك و الحجب على كل ما يتعلق بالعلم و حب الوطن و إدخال لغته و عاداته بعد طمس تاريخك.
أبرز ما قاله مؤسس علم الإجتماع العلامة عبد الرحمن إبن خلدون في مقدمته الشهيرة :
" المغلوب مولع أبدًا بتقليد الغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله و عوائده، والسبب أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها ".
" الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، و كلما طال تهميش إنسانها يصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى اللقمة والغريزة ".
" عِندما تَنهار الأَوطان يَكثر المُنَجِمون والمُتَسَوّلون والمُنَافِقُون والمُدَّعون والقَوَّالون والمُتَصَعلِكون، وضَارِبوا المَندَل وقَارئوا الكَف والطَالع، والمُتَسَيسون والمَداحُون والإِنتِهَازيون، فَيَختَلطُ ما لا يُختَلط، ويَختَلطَ الصِدق بِالكَذب والجِهاد بِالقَتل، ويَسود الرُعب ويَلوذَ النَاسُ بِالطَوائف، ويَعلو صَوت البَاطل ويَخفُت صَوت الحَق، وتَشح الأَحلام ويَموت الأَمل، وتَزداد غُربة العَاقل، ويُصبِحَ الإِنتماء إِلى القَبيلَةِ أَشَد إِلصَاقاً وإِلى الأَوطان ضَرباً مِن ضَروبِ الهَذَيَان ".
هل العلامة بن خلدون يعيش معنا، أم هذه هي أحوال و سيرورة الدنيا، ام الإنسانية لم تتطور في العلم و الأخلاق و معرفة مهمتها في الحياة ؟ أم الغرور و اللهو ساد تماما على المعمورة و لم يعد هناك مصلح أو ناصح أو مدبر أو منقذ ؟. و من يتأمل فيه عن الوضع الحالي من تحولات و تقلبات في المعمورة على كل الأصعدة و كشف المستور على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو العقائدي يظهر له فتنة عارمة سببها التعنت في الرأي على حساب ما تمليه الطبيعة و تعاليم الكون.