عندما تتصادم المادة الدستورية الثامنة والثمانون مع الواقع ووضعية تنمية البلاد وما تحمله السلطة الجزائرية من طموح في مسيرتها، يعيدنا هذا الوضع لحادثة انتهاء مدة تسعين يومًا لحكم الراحل عبد القادر بن صالح كرئيس دولة بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة، ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية في الآجال المحددة دستوريًا.
فصار الضمير الحر الجزائري أمام امتحان بين المادة الدستورية المحددة لعهدتين متتاليتين أو منفصلتين ونمط مسيرة الجزائر المنتصر الذي لم ينتهِ. من هنا تظهر عبقرية وحكمة المواطن الواضع كل الحسابات لبلده والمتتبع لشؤونها.
على غرار الضرورة الملحة يكون الواقع سيد الموقف. وعلى غرار تطبيق القانون تكون الدولة العظمى. وعلى غرار التسيير الحسن يخضع الواقع والقانون وحتمية الظرف. وعلى غرار بروز عظمة الأمة يستجيب كل ما سلف. وعلى غرار مكانة الدولة في المحيط الإفريقي والدولي تزدهر أسس الدولة العصرية.
هل اليوم الدولة ارتقَت إلى درجة المنتصرة والفعالة على الصعيد المحلي والدولي في كل الجوانب خاصة حس المواطن وتوعيته ودراياته الكافية من أجل الدفاع عن قيام دولة لا سلطة وتمثيلها كسفير فوق العادة في كل تصرفاته وسلوكه؟ يقول الرئيس عن خائن الدار إن الوقت حان أن يحارب ويشخص لأنه أصبح من العوائق الأساسية المانعة لنمو وتطوير المجتمع وبناء الدولة في آن واحد. أعتقد كمواطن، أنه إذا وصلت الجزائر إلى المستوى المنشود إن شاء الله بوعي المواطن والتخلص ممن خدروه وعرضوا عليه مسرحيات مفبركة. وعلى من استدرك الواقع أمامه ومن تاب وكف عن الحرام والمنكر وتيقن مما يشهده يوميًا من أحداث في العالم أن يساهم في كشف هذا الخائن وأفعاله أمام الملأ.
حينئذ، لم تعد مسألة نهاية العهدة الرئاسية ونتائجها وتداعياتها (حكاية البيضة أم الدجاجة وفتوى من المحكمة الدستورية) مهمة وتصبح مسألة القانون الأساسي للبلاد في الدرجة الثانية أمام مصدر السلطة الشعبية (المادة 7 و 13 من الدستور) وتعديله وقت ما تشاء. ومن ثم نستطيع التكلم عن دولة بالدال الكبيرة. هناك دولة عظمى بدون دستور نظرًا لعظمة شعبها وتطوره فسادَت العالم.
بات من الضروري على المواطن الجزائري وغيره في الدول التي تمر بنفس الوضعية أن يتأمل ويفكر ويعتبر ويقيم ما يضره وما ينفعه في مجتمعه ولا يأخذ غير ذلك سبيلًا ولا يشغل باله بالقيل والقال وكثرة السؤال لأنه مضيعة للوقت وتعطيل للعمل المفيد. حب الوطن من الإيمان والاستقرار والهدوء والسكينة والطمأنينة. الشعوب التي تقدمت وهي واعدة اليوم أخذت من العلم منهاجًا وتجنبت كل سوء وركود والتكلم على الغير.
أنا واحد من الجزائريين الذين يؤمنون بأن العمل هو الذي يعطيني كرامتي ومكانتي بين المجتمعات ومن خلال ما أشاهده من قريب وبعيد لا تقنعني المزامير الديمقراطية لأنه ليس لها وجود حقيقي وهل بالله عليكم ما زلتم تؤمنون بها؟ فهي ليست إلا في الخيال لتمويه المغفلين والشروريين وأطروحات من المخططات التي يشتهرون بها كأنها مخرج للإنسانية بالطرق الجهنمية لوضع الحرية الوضعية. كل النظريات التي عرفت من شيوعية واشتراكية ورأسمالية وغيرها، فشلت عبر التاريخ وما يحدث اليوم دليل صادم وما يأتي من خطط وبرامج يكون له نفس المسلك لا محالة. هناك طريقة عيش في المعمورة يجب العمل بها واحترامها لا غير ولا سبيل عليها، هي أن الإنسان خلق ومعه دليله إن تخلى عنه تاه وهي الوضعية التي وصلت الإنسانية إليها اليوم. أصحاب حب المادة جعلوا العالم كله في دوامة وأبعدوه عن التفكير في الصواب من أجل أهوائهم ورغباتهم وتعنتهم وكبريائهم حتى يزولوا والعالم معهم.