كل مساء تمضي بصمت حزين قافلة الجياع والبؤساء.. تمضي كل ليلة تتابع رداء الليل المثقوب.. تقرأ فيه المقدر والمكتوب.. تمضي كل ليلة بين طريق مضى وآخر آت.. تسترجع ذكريات... مضت ذكريات.. وترجلت ذكريات.. مضى من مضى معها من أعز أحباب الطفولة.. وبقى من بقى بين براثنها يتأرجح مابين مراحل الشباب والكهولة... بين طريق مضى وآخر آت تمضي جموع البؤساء كل مساء... تمر من أمامها ذكريات تلاحق حنين الصبا ومراحل الضحكات.. تنساب أمامها ذكريات، وذكريات.. أخترقت كل المسافات مابين قهر الرجولة ومراحل الشتات.. كل مساء تمضي قافلة الجياع والبؤساء تلملم خيوط الفجر الصغيرة الأسيرة... تتوسد الأرض وتلتحف السماء الكبيرة الكبيرة.. كل. مساء، كل مساء...
ذات مساء عرفنا أن العاصفة التي هبت ذات ليلة، لم تكن غريبة.. لم تأت من جزر واق الواق.. كانت لعبة حقيرة انطلقت بذكاء من قلب بعض الرفاق.. قلبوا بها. وفيها موازين الحياة.. شوهوا الدرب ومحوا كل معالم الزقاق... ذات مساء قرروا سجن العقل وتحنيط الكبرياء...
وارتفعت رايات المزايدة والنفاق وأشتد سعير الكلمات اللاهثة خلف البطولات الكاذبة التي لم تقتل بعوضة ولم تصرع يوما ذُبابه.... وبدأت مراحل اللعب بالكلمات... أستفحل الغباء وبقى العقل سجينا مصحوبا بالذكاء...
ياليالي القهر والباطل في(عدن) إهدئي.. تمهلي. فرداؤك الأسود المثقوب يبين حقيقة المكتوب، فسيفك المشطور مكسور، مكسور، مكسور، ملقى على الرمال الحزينة مهجور، مهجور، وجحافل الذئاب والضباع لن تصمد طويلا أمام قافلة البؤساء والجياع... فتمهلي وأحذري، أحذري البراكين الدفينة فالمدينة مازالت حزينة، حزينة... آحذري قافلة البؤساء والجياع التي تمر كل مساء تتوسد الأرض وتلتحف السماء... وتذكرى ذات مساء جاءني طائر المساء الحزين ثم رحل مكسور الخاطر معصوب الجبين..
أهداني دمعة حزن على (عدن) وأخرى فضح بها وفيها حقارة ما يجري من عبث داخل عدن
.. ذات مساء... ذات مساء!!
*****فاروق ناصر علي.... آخر جمعة من رمضان ٢٠٢١.
عدن الواقعة بين الثعالب والأرانب والمحن..