تأخذنا التجربة التونسية في الحكم والسياسة بعيداً منذ انفجار بركان التغيير في دولنا العربية نهاية 2010، وبداية 2011، وهي باختصار ـ حسب فهمي وتحليلي ـ قادتنا بروح «أبوالقاسم الشابي» وشعره، إلى «عدم العيش أبد الدهر بين الحُفَر» من جهة، ورسمت لنا ملامح خريطة جديدة للاختيار السياسي لدى الشعوب العربية من خلال الاحتماء بالنخبة الجامعية، كما هو محقق بفوز الدكتور قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2019، من جهة ثانية.
غير أن ظهور قيس سعيد، كان مفزعاً لعدد من القادة العرب ـ على اختلاف توجهاتهم ـ ولجماعات الفساد، ولتيارات ما يعرف بالإسلام السياسي، وحتى لبعض النخب السياسية والثقافية العربية، التي تعودت أن تميل دائماً إلى اختيارات قائمة على تصنيفات سابقة، ولذلك لم يأخذ الرئيس سعيّد حظه من الإعلام، وأحيط ظهوره على مسرح الأحداث بتَسْفِيه مُبطَّن لتجربة عربية جديدة في الحكم، يُسندها وعي مجتمعي بدور الجامعة، طال انتظارنا لجني ثمارها منذ استقلال الدولة الوطنية.
ودون الدخول في تقييم التجربة لأنها لا تزال في بدايتها، فإن الرئيس قيس سعيّد يحارب اليوم وحيداً على عدة جبهات داخلية، معظمها ذو امتداد خارجي، فالمشكلات التي تحدثها حركة النهضة ومن ولاها من الأحزاب الأخرى، والوجود التركي على حدود بلاده من خلال التدخل عسكريا في ليبيا، والدعم القطري للطرفين السابقين، والضغوط الاقتصادية المتراكمة حول تونس من عدة أطراف خارجية، جميعها تشي بـ«قصديَّة» إفشال عمله ـ إن تمكنت الأطراف السابقة من ذلك ـ ومعه سيتم إسقاط مشروع نهضوي مستقل انتظرناه لعقود.
ولتجنب ذلك، وحماية لتونس من أن تغدو دولة فاشلة، أو تسقط في فتنة الصراع بدعم خارجي، هي اليوم في حاجة إلى دعم مادي ومعنوي، وإلى فك عزلة عربية ـ مقصودة أو غير مقصودة ـ على الرئيس قيس سعيد، على غرار ما قامت به الجزائر بعد انتخاب الرئيس تبون، والإمارات خلال أزمة كورونا، وهذا ليس مفيداً لتونس فقط، وإنما لكل الدول العربية الأخرى، خاصة تلك التي تجاهد من أجل رفض التدخل الخارجي، والانهيار والظلام الداخلي.
فيا أيُّها العرب «لا تتركوا الرئيس قيس سعيّد وحيداً، في مواجهة واقع عجزت أمامه دول كبرى.. ولنتذكر جميعا قول الشاعر العراقي ربيعة بن عامر بن أنيف المشهور بــ«مسكين الدرامي»:
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه كساعٍ الى الهيجا بغير سلاحِ