اليوم أريد أنْ أحدّثكم عن واقعة تاريخية حدثت قبل أكثر من قرن، قبيل الحرب العالمية الأولى بقليل، بطلها الملك المؤسس للدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود.
نجح الملك عبد العزيز مع رجاله في ضم إقليم الأحساء وكامل الشرق إلى الدولة السعودية وطرد الغزاة الأتراك منها، وقد جلب هذا النصر ضجة إقليمية بل دولية (لاحظ الحضور البريطاني بالمنطقة حينها)، فهو نصر استراتيجي كبير له ما له، بعدما نجح عبد العزيز في استعادة السيادة السعودية على شرق الجزيرة العربية والوصول إلى مياه الخليج العربي.
حينها جاء وفد صحافي يمثل جريدة «الدستور» البصرية العراقية، وهو من أصل نجدي، من مدينة عنيزة بالقصيم تحديداً، الصحافي هو (إبراهيم العبد العزيز الدامغ). وأجرى الحوار في العدد 56 عام 1913، وحديثه كان مركزاً على واقعة ضم الأحساء وترحيل عبد العزيز، بكل رفق واحترام، لعناصر الحامية التركية حتى أوصلهم محفوظين إلى البصرة.
هذا الحوار وهذه الجريدة النادرة، يحفظ للمرحوم د. عبد الرحمن الشبيلي، مؤرخ الإعلام السعودي، فضيلة الريادة البحثية عنه وعنها. وقد أورد المؤرخ المرحوم عبد الرحمن الرويشد في كتابه «قصر الحكم في الرياض... أصالة الماضي روعة الحاضر» هذا الحوار، مشيراً إلى ما رصده عبد العزيز من أخطاء الإدارة العثمانية الجسيمة، هذه الأخطاء التي وصلت إلى حد الاتجاه إلى التنازل عن السيادة على سواحل المنطقة لبريطانيا!
هذه النقطة الخطيرة هي غرضي من هذه الإلماحة التاريخية اليوم، ولندع بطل القصة يحكيها لنا. قال الملك عبد العزيز بالنص للصحافي القديم إبراهيم الدامغ، وهو يذكر أسباب سعيه السريع لضم إقليم الأحساء: «ثم جاءتني محاضر فيها تواقيع كثيرة من العلماء والوجوه قائلين: إن لم تسعفنا نضطر إلى ما لا تحمد عقباه، وفي تلك المطاوي سمعت أن الدولة تنازلت عن حقوقها في الخليج، وسواحله فاستندت حينئذ إلى ما لي من الحقوق الشرعية بمنزلة أساس (يقصد السيادة السعودية التاريخية على الشرق السعودي)، فبادرت إلى تلبية طلب الأهالي ليكونوا في حرز حريز من فتك أرباب الفساد فيهم وإبعاد الأجانب عن ديارهم».
المؤرخ السوري الشهير محمود شاكر، أشار إلى مؤتمر شارك فيه الملك عبد العزيز، وأمير الكويت مبارك الصباح، مع الدولة العثمانية عام 1914، ونتائج ذلك المؤتمر الذي تضمن اعترافاً عثمانياً بسيادة سعودية على نجد ومتصرفية الأحساء، مقابل اعتراف «صوري» بالتبعية العثمانية، ثم يعلّق شاكر فيقول:
«ويذكر أن ابن سعود قبل تلك الشروط تخلّصاً مما قد يقع بينه وبين العثمانيين، من مشاحنات وليتفادى نقمة الاتحاديين، وليقطع الطريق أمام أي محاولة بريطانية للسيطرة على ما تبقى من سواحل الخليج العربي، إذ إن الحكومة العثمانية بعد عقدها لهذه الاتفاقية لا يمكنها التنازل لبريطانيا عن الأحساء، إذا أصرّ البريطانيون على ذلك، كما فعلت في البحرين وقطر». (نقلاً عن كتاب- كتاب موسوعة تاريخ الخليج العربي، الجزء الثاني ص 498).
تعمّدت الإطناب في سرد التفاصيل، بما يسمح به المقام، لنقارن الحاضر بالماضي؛ كانت وما زالت البلاد العربية بالنسبة إلى الذهنية التركية - في صورتها الهجين بين القومية الطورانية وغطرسة «الباب العالي» - ورقة يلعب بها مع القوى الكبرى، وليست مكمناً للانتماء والولاء والفداء.