تؤرقنا اليوم أسئلة الحاضر حول ليبيا لما تحمله من أوجاع طلباً لأدوية الشفاء، وما تحمله من خيبة في انتظار الرجاء، وما تكنُه الأنفس المريضة من اعتقاد منها أن التضحية بذوي القربى ـ بالمعنى الإيماني ـ نجاة للنفس.. هنا نختار جهة واحدة، هي الجزائر ذات العلاقة المباشرة بليبيا (الإنسان، والتاريخ، والتراب، والوقت)، فأين هي اليوم من أزمة جارة شقيقة، لا يغني عن العلاقة معها ذاك الاكتفاء ـ المبرر أو غير المبرر ـ بعدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية ضمن سياسة حق، تمكنت الدول الأخرى من تحويلها إلى باطل، وأصبحت على حدود الجزائر، وغداً ستدعو إلى تغيير خريطتها إن تمكنت من الاستيلاء على ليبيا ومقدراتها؟
لقد كانت الجزائر طرفاً قوياً في الثبات والحفاظ على التوازنات داخل أفريقيا، وفي الوطن العربي، حتى إذا ما عَشْشت فيها طيور الظلام غرقت في أوحال فساد محلي، وها هي اليوم تدفع ثقل أوزارها من ميراث مرّ، تحوّل مع الوقت إلى جملة من الخطايا أدت إلى التغيير الذي نعيشه اليوم في الجزائر، ورغم هذا وددنا لوكان بيننا وبينها أمداً بعيداً.
ومع ذلك كله، فليست هناك دولة مؤهلة للقيام بدور فاعل لدعم ليبيا (الدولة والشعب) مثل الجزائرـ رغم حمولتها الكبيرة محلياً واقليمياً ودولياً ـ والسبب أنها تقدم على الملف الليبي بدون أطماع، فمثلاً هي لا تحتاج إلى بترول ليبيا، ولا أن تجعل منها سوقاً للعمالة، ولا تُعوض فيها وبها فشلاً طال دولاً في محطيها الجغرافي، وأخرى عجزت أن يكون لها دور في فضائها فجاءت لتحافظ على بعض من ماء الوجه، ولا تنفذ أجندة قوى كبرى تُصدِّر وَهْم الحماية لبعض الحُكام، ولا ترى فيها خطراً من تدفق هجرات الضنك والمجاعة الأفريقية.
والأكثر من هذا كله، أن الجزائر لا تشن حرباً على التيار الإسلامي من خلالها، فقد عاشت تجربة مؤلمة في هذا المجال وخرجت قوية، وقادرة على احتواء الإسلاميين أو التعايش معهم، لأنها دفعت ثمن ذلك دماء وأرواحاً، وتمكَّنت من حلِّ أزمتها بدون تدخل خارجي عسكري أو سلمي.
ولأن الجزائر لا أطماع لها في ليبيا، وحتى لا تنتهي إلى وضع مثيل يلوح في الأفق، فإن خيارها الوحيد هو التدخل المباشر لصالح الشعب الليبي، ربما ستكفر عن خطئها التاريخي حين التزمت الحياد عند إسقاط الغرب وأتباعه ـ من ليبيين وعرب ـ لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.