العرب اليوم، ومن سار على خطاهم أو قلدهم ـ من مسلمين ومستضعفين في كل القارات ــ سواء أكانوا قادة أو أحزابا أو جماعات عنف وسلم، أو حتى شعوبا، يرون الحل في التدخل الخارجي، لأكثر من الوصاية، والانتداب، والاستعمار، والتسليم.. إنها حالة مرضية عامة تصل أحيانا إلى استبدال معيار التوكل على الله بالتواكل على الغير، على اعتقاد وهمي من أن البقاء مرهون بالتخل المباشر للغير القوي في الحياة، وأن غياب الثقة في كل ما هو محلي( قادة، حكومات، مؤسسات، أفراد، قوانين، وأجهزة..)، يفرض اللجوء إلى ذلك الآخر حتى لو كان عاجزا عن حل مشكلاته الخاصة.
من مظاهر الحالة السابقة، أن كثيرا من حكوماتنا ـ وما بقي منها يحفظ ولا يقاس عليه ــ هي واحدة من ثلاث، الأولى تطلب الود حينا وتسعى لخضوع غير مطلوب ولا مشروط، والثانية: اعتقد قادتها أن الحل لإخراج بلادهم من الأزمات أو حماية سلطانهم وسلطتهم يكمن في الاحتماء ــ حضورا ـ بزعماء ورؤساء من القوى الكبرى أو من يمثلهم، والثالثة: أعطت أكثر مما هو مطلوب منها فغدت عبئا عن غيرها.
الحال السابقة يمكن تعميمها على مستوى التيارات الفكرية بما فيها من قبول بالتدخل الثقافي، بل واحلاله من خلال مدارس الحداثة وما بعدها، وكذلك الحال بالنسبة للجماعات الدينية، التي تعد اليوم أبشع في محاولة وصولها إلى الحكم، من أنظمة كنا نعدها يوما من الأشرار، فأصبحت اليوم جماعة خيرة، حتى لو اجتهدت خطأ من أجل التعمير في الحكم.
إننا نتساءل اليوم: كيف للرافضين من الأحزاب الدينية لأنظمة الحكم العربية والمسلمة المنتمية لنمط الحكم الكلاسيكي أن يحاربوا التدخل الخارجي على المستوى السياسي أو الذين يحسبونه كذلك، ثم يسعون خطأ إلى تدخل أبشع وأشنع، من خلال تحويل الدين إلى انتماءات عرقية ومذهبية؟.
تبعا لذلك، ما معنى أن يهلل كثير من الشيعة المنتمين سياسيا لتدخل إيراني قاتل في العراق وسوريا واليمن وقبلها لبنان، وأن يروج كثير من قادة وأتباع الإخوان للتدخل الدموي التركي في سوريا سابقا وليبيا اليوم، وبث فتنة طويلة الأجل فيهما؟.
مهما تكن المبررات، فالتدخل مفروض، وذاك بداية لفك حصار طال أمده على قلوب وعقول آن لها أن تكون واعية.. أو لننتظر جميعا الطوفان.. وذلك جزاء من قبل بالتدخل مهما كان نوعه.