هناك سؤال فلسفي يقض مضجعي الآن في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخنا البشري، هو: هل الكائنات الأخرى لم تعد مستعدة للتعايش معنا في هذا الكوكب، ما دامنا قد أزعجناها بجرائمنا تجاه بعضنا بعضا؟.
قد يبدو السؤال السابق في جانب منه ذا صلة بالحديث عن الكائن العاقل الذي هو الإنسان، لكن ماذا عن شقه الثاني المتعلقة بالمخلوقات الأخرى غير العاقلة، ومنها الفيروسات، وتحديدا فيروس كورونا المستفحل هذه الأيام، والمفزع كونه يشن حربا وجودية عن البشر؟.
يرى البعض أن البشر جميعهم يتحالفون عند الخطر ضد الكائنات الأخرى، حتى إذا ما قضوا عليها، عادوا من جديد للممارسة هوايتهم المتمثلة في القتل، لكنهم وهم يحاربون من أجل البقاء يبدو تضامنهم محدودا خالي من العطاء، ومقتصرا من الناحية السياسية على القربى بالجغرافيا والقربى بالجنس، وإن بدا من حيث الشعارات الإنسانية سعيا حثيثا لإنقاذ البشر جميعهم.
إن اصرارنا على التواصل صورة وصوتا، في الواقع الافتراضي شكّل منذ زمن مدخلا للتباعد ولم يكن اقترابا على النحو الذي نقدم قولا وفعلا، وقد ظننا أننا قادرون ما على الأرض، بعد" أن أَخَذَتِ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ"، فاتجهنا صوب الفضاء، وفي النهاية ها نحن اليوم نواجه عجزا كليا على حماية أنفسنا من فيروس، وهو آية بكل الصيغ والمعاني والأفهام، ولا ندري أهو عابر كما يقول العلماء أم أنه باق ونحن الزائلون، ضمن مسيرة البشر في رحلتها منذ بدء الخليقة؟.. المدهش هنا أن مركباتنا جميعها بما فيها الفضائية لا يعول عليها لإنقاذنا مما نحن فيه.
لا نعول اليوم إلا على صبر يقيني يملأ الصدور، لكن أنَّى لنا التناوش بعد أن بعدت المسافة بين الحماية والأفعال السابقة نتيجة كثرة الفساد في البر والبحر والفضاء الخارجي بما كَسَبَتْ أَيْدِينا، وفي مهاجمة كورونا لعلاقات البشر من خلال تجليات اليقين الإيماني في السلوك البشري التعبدي، وعبر علاقات نحن في حاجة إليها ـ خير كانت أو شرا ـ دليلا لمن أراد أن يذكر على أن الملجأ إلى الله وحده، فإن شاء ساعدنا على توفر العلاج وإحلال الأمان والطعام من جوع، أو قدرنا لنا غير ذلك، فإنا نواصينا بيده، وسيقضي أمراً كان مفعولاً، ومن أحسن منا اليوم ـ فردا أو جماعة أو شعبا ـ فله ، ومن أساء مستغلاًّ هذا الوباء فلنفسه.. وما لله بظلام للعبيد.