تطورت جغرافية الصراعات المادية والجيوسياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وظهور التحولات في طبيعة الصراع الأهلي والنظام العالمي إلى ثلاث فترات صعبة: تبدآ من عام 1946م الی إنهیار الإتحاد السوفیتي وسقوط حاٸط برلین فی أواٸل تسعینیات القرن المنصرم ( الحرب الباردة ) ومرحلة ما بعد الحرب الباردة ونظام ما یعرف بالعولمة والقُضؑب الُآحادي (بين 1991م /2001م ) ویُعرف فی الأدبیات السیاسیة " الحرب علی الإرهاب " من حروب اندلعت فی الشرق الأوسط کان الغرب طرف فیها ، والمرحلة الثالثة 2011م الربیع العربي ، من سقوط أنظمة عربیة وثورات مضادة وحروب أهلیة فی کلاً من : سوریا والیمن ولیبیا وحتى کتابة هذة السطور ،،ليس في التاريخ المعاصر أشنع من الحرب الأهلية في سوريا، تلك التي تدخلت فيها كل القوى الإقليمية والدولية ومثلت نقطة إرتکاز لقوي وشتملت لكل المتناقضات السياسية في هذه اللحظة من تاريخ البشرية، روسيا بجيشها الجرار وقاعدتيها العسكريتين فی ( طرطوس ۔وحمیمیم) وإيران بكل ميليشياتها وفصاٸلها ودعمها ، وطموحاتها التوسعية، ونظام يقتل شعبه بكل القوات المسلحة والقوة المفرطة ويتحدى العالم أجمع باستخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً، مرة بعد مرة، تحت حماية روسية تمنع أي إدانة للنظام في المحافل الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتركيا التي تتدخل عسكرياً في الشمال السوري تحت ذريعة مواجهة الأكراد وحمایة أهل السنة وحفاظها علی أمنها القومي ، والأن تدخل فی مواجهة عسکریة من الحروب النظامیة بین الجیش السوري والقوات الترکیة ۔، وأميركا التي تفتش عن موضع قدمٍ لا يلغيها من الوجود على الأرض بدعم فصاٸل لوجستیة ومحاولة المشاركة في حلول أكثر عقلانية مما تسعى له روسيا في مستقبل الدولة السورية علی حد تصریحات ادارة أوباما سابقا ، وإدارة "ترامب " المتخبطة فی تصریحاتها ، والبلد الممزق ممتلئ بالإرهاب والطائفية والعرقية وكل أنواع التخلف البشري، حيث لا يجد أملٍ في مستقبلٍ أفضل، والأحداث تجري والتاريخ يسجل شهاداته ويمضي. والعرب خارج النطاق الجغرافی للحروب الأهلیة ۔۔ومع غیاب الدور الدولي وعدم إحترام الأتفاقیات المُبرمة فی " جنیف و أستانة وفی سوتشی " ۔المشكلة الان تتعلق بالالتزام. أنه من الصعب منح الأطراف المُتحاربة الثقة بأن التسويات المُطبّقة من الدول أنفسها أي التي تفتقر إلى آليات التنفيذ الدولية ستنفذ فعلاً.، فالاتفاقات الرامية إلى تسوية النزاعات تُبرم حكماً في فترات تكون فيها الحكومات ضعيفة. لكن حين تستجمع هذه الحكومات قواها، لايعود لديها حافز يُذكر للإلتزام بالأتفاق، وخصوصاً إذا ترافق ذلك مع تسريح المجموعات المتمرّدة من الفصاٸل الموجودة علی الأرض ،،. تساعد هذه الديناميكية على شرح لماذا يُعتبر احتمال الارتداد مجدّداً إلى القتال أكبر بكثير حينما تنتهي الصراعات الأهلية بتسوية سياسية عوضاً عن انتصار كامل.علی الأرض ،ومع تزامن هذه الحقبة الجدیدة من الحروب الآهلیة والنزعات فی الشرق الأوسط وتفکك النظام العالمي. ففي مرحلة " الألفیة الجدیدة ما بعد بعد الحرب الباردة" التي نعيشها اليوم، لم يعد المجتمع الدولي مستعدّاً أو قادراً على الاستجابة بشكلٍ فعّال للنزاعات الدولية، وتراجع الدور الآممي لحفظ السلام فی الحروب الأهلیة فی الشرق الأوسط،.والحصيلة هي أنه حتى عندما تُبرم تسويات سياسية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، ثمة احتمال كبير في أن تندلع مجدّداً إذا لم تترافق هذه التسويات مع آليات دولية لتنفيذها، مثل قوات حفظ السلام. ونظراً إلى غياب التوافق بين الدول الكبرى بشأن الحروب الشرق الأوسط، والاختلال السائد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ثمة حاجة للنظر في الآليات الممكنة لدعم التسويات في الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة عمليات حفظ السلام في خضم المخاطر الإرهابية الكبيرة المُحدقة.
وهناك أطراف ولاعبیین إقلیمیین قادریین على نقض القرارات. فكما ، إن النزاعات التي ينخرط فيها العديد من اللاعبين المستقلّين تدوم أكثر من غيرها، ذلك أن نطاق الاتفاقات المقبولة لجميع الأطراف يكون ضيّقاً جدّاً، ناهيك عن أن التحالفات قد تتبدّل، وأن المجموعات المتحاربة تملك حوافز تشجّعها على الصمود قدر الإمكان وهذا بالفعل فی سوریا . وأن التدخّل العسكري الخارجي يجعل حلّ الحروب الأهلية أصعب بكثير، ولاسيما حين تؤدّي إلى تدخّل مضادّ. وقد أظهرت بعض الدراسات أن 4 % في المئة فقط من الحروب الأهلية تم تدويلها في العام 1991م، مقابل 40% في المئة في العام 2015م. وهذا ينطبق بالتأكيد على الحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي بدأت كلها على شكل صراعات محلية، إنما تم تدويلها، مما أدّى إلى عرقلة الجهود الرامية إلى تخفيف وتائر التصعيد واحتواء الصراع.
إحدى النتائج المترتّبة عن وجود أطراف قادرة على نقض القرارات هي أن العمليات متعدّدة الأطراف وواسعة النطاق، على غرار تلك التي وُضعت قيد التنفيذ في كلٍّ من سورية وليبيا، محكومة بالفشل على الأرجح. فعندما يجلس جميع الأطراف على الطاولة، قد يغدو من المستحيل تحقيق التوافق. المقاربة الأفضل قد تتمثّل في الحرص على أن تقتصر المفاوضات متعددة الأطراف فقط على مجموعة أساسية من الأطراف القادرة على نقض القرارات، على أن تبدأ ربما بالقوى الخارجية ثم تنتقل إلى الفصائل البارزة على الأرض.۔
وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط فی بدایة ثمانینیات القرن الماضي حربا استمرت ثماني سنوات بین العراق وإیران علی الخلاف ترسیم
الحدود تُعتبر حادّة في حالة النزاعات التي ترسم معالمها الانقسامات الإثنية والطائفية، كما في العراق وسورية واليمن. لذا، طالما أن احتمال التقسيم الرسمي لدول الشرق الأوسط لايزال يلقى معارضة إقليمية ودولية قوية، سيكون من الصعب تفادي الحصيلة الصفرية. وقد لاتكون التسويات المتفاوَض بشأنها والتي تحافظ على سيادة الدولة ممكنة إلا من خلال تحقيق عملية انتقال السلطة السياسية عبر تعزيز الحكم الذاتي المحلّي.
وعلى الرغم من الحروب الأهلية التی شهدها العالم فی أمریکا الجنوبیة مثل كولومبيا، وفی أفریقیا فی نیجیری وأنجولا وفی آسیا والهند الصينية، كانت الصراعات الأهلية في فترة الحرب الباردة - كثير منها كان نزاعات وطنية أو صراعات إيديولوجية، أو عبارة عن مزيج من الاثنين – أقصر على وجه الإجمال، وبالتالي أقل فتكاً بصورة عامة. أن معظم هذه الصراعات كانت أهلية. ولّدت هذه الصراعات الجديدة أنماطاً جديدة من العنف فی الشرق الأوسط ، ومع انهیار الإتحاد السوفیتي شهدت دول فی امریکا الجنوبیة وأسیا مثل (أميركا الوسطى وجنوب شرق آسيا ) قد شهدت استقراراً ، حتى في الوقت الذي اجتاحت فيه الصراعات الداخلية مناطق واسعة من افریقیا ودول شرق أوروبا فی أوائل تسعينيات القرن الماضي .
لكن بعد فظائع الإبادات الجماعية التي وقعت في رواندا والبوسنة والهرسك ،علی الرغم من ذلك ،
بدأت موجة النزاعات الأفريقية واليوراسية بالضمور بعد منتصف التسعينيات، ويُعزى ذلك جزئياً إلى التغيُّر الذي طرأ على المناخ (الجيو-استراتيجي) إن تجاوز العوامل الهيكلية العميقة التي تفاقم جذوة الحروب الأهلية الجديدة في الشرق الأوسط، هي مهمة أصعب تتطلب اتّخاذ قرارات
إن الشرق الأوسط یعیش هذه اللحظات التاریخیة بنکهات الحروب القذرة ، ولكن أبشعها نكهة وأمرها طعماً وأقساها على البشر هي الحروب الأهلية، الحروب التي يقتل فيها الأخ أخاه والجار جاره والمواطن صنوه، فهنا فقط لا يحضر شموخ الإمبراطوريات ولا تميز القوميات ولا افتخار الأوطان، بل هو قتل الأقرب فالأقرب، ودمار البلدان والأوطان، إنها الحروب التي تخدش ذاكرة الوطن بجروح لا تكاد تُنسي یوما من الذاکرة
يكتنز تاريخ البشرية حکایات طويلة من الحروب الأهلية المدمرة، في كل أنحاء العالم، وبخلاف الحروب بين الإمبراطوريات أو القوميات أو الدول فإن الحروب الأهلية ترتكز على الصراع حول المشتركات التي تنطلق منها بحثاً عن التمايز الضيق، الذي يميز فئة عن فئة، ومجموعة عن مجموعة، کان دينياً أو طائفياً أو عرقياً أو مذهبياً، وإن مناطقياً أو آيديولوجياً أو نحوها.
جاء في تعريف الحرب الأهلية أن «الحرب ظاهرة اجتماعية عريقة تعود إلى حالات التقاتل بين الإخوة، أساس الحروب الأهلية» وفي تعريف آخر أن «الحرب الأهلية، قتالٌ مسلحٌ بين أبناء البلد الواحد، يتجاوز بتوسعه وامتداده مجرد تمرد أو عصيان مسلح» وهذه التعريفات وأمثالها تمنح تصوراً واضحاً لمعنى الحروب الأهلية ومدى شناعتها وشرورها.
مر العالم ومرت المنطقة بحروب أهلية عدة، كان لها أسوأ الأثر وأشنع النتائج، ومن أشهرها ( الحرب الأهلية الأميركية والحرب الأهلية الفرنسية) التي سميت لاحقاً الثورة، وحرب الثلاثين عاماً في أوروبا، والحروب الأهلية الأوروبية المتعددة، والمختلفة حجماً وتأثيراً، والحرب الأهلية في إسبانيا، وصولاً إلى الحرب الأهلية في تشيكوسلوفاكيا، والحرب الأهلية في أفغانستان بعد خروج الاتحاد السوفيتي، وغيرها كثير، وهو ما يمنح عمقاً للظاهرة في التاريخ واتساعاً لها في الجغرافيا.
وفي المنطقة، الحرب الأهلية سيئة الذكر في لبنان، والحرب الأهلية في السودان، وهي حربٌ انفصالية، أدت إلى التقسيم، واليوم نشهد حرباً أهلية في سوريا، وحرباً أهلية في ليبيا، وشيئاً يشبه الحرب الأهلية في اليمن، حيث هي في جزءٍ منها حربٌ انفصالية،
حتى لا ننسى، فإن بشاعات وشناعات الحروب الأهلية بدت لها بوارق في العراق من قبل ومن بعد، ولكن العديد من المعاني والمفاهيم تنداح في لحظات الأزمات الكبرى ويعاد تعريفها وتحميلها لمعانٍ مختلفة نظراً لحجم الصراع السياسي والجدل الذي يتبعه عادة لمددٍ تطول أو تقصر، ونظراً لاحتدام الصراعات تتم عملية واسعة من التعريف وإعادة التعريف، وصولاً إلى تبني المتناقضات، في السياسات والشعارات والمواقف.
ليس في التاريخ المعاصر أشنع من الحرب الأهلية في سوريا،
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب مصري وباحث فی الجغرافیا السیاسیة