صفقة القرن.. إنها عمل تجاري لكنها دون أمر بيع أو شراء، وهل حدث في التاريخ الإنساني فيما خلّدته الأسانيد أو حفظته الذاكرة الجماعية للبشرية، أو رواه «حادي العيس» في رحلة الزمن أن كان البائع والمشتري واحداً؟ لذلك إذا قبلنا بها فنحن نُحل أنفسنا وأمتنا والأجيال من بعدنا دار البوار، لكن ما العمل في ظل انعدام الخطوط الحمراء؟
سيقول بعض المنظرين العرب من الحكام والمحكومين، سراً وعلانية، في بداية الأمر على استحياء «دعونا لا نفوّت الفرصة فقد أضعنا كثيراً من مثلها، وأعظم منها وأكبر، خلال العقود الستة الماضية» حتى إذا ما سألناهم بجد وبعيداً عن تأثير الخوف من إملاق أو تربص القوى الكبرى بنا وبهم «أحقاً هي فرصة، وهي لا تساوي ثمن قيمة لاعب كرة قدم في بداية الاحتراف؟».. ردوا علينا «إنكم قوميون، ثورجيون، تجاوزكم الزمن» ومع ذلك يريدون منَّا على الطرف المقابل الوقوف في وجه تكالب الأمم الأخرى، أو سَلَقُونا بألسنة حِدَادٍ، قائلين «هذا طرح الجماعات الإرهابية التي ترفض الآخر» مع أن الصفقة المزعومة هي الطريق المعبد والسريع لسطوة الإرهاب وأهله، وتشريع علني للفساد على المستوى الدولي.
القضية الفلسطينية مصيرية بالنسبة لنا، مهما كان ضعفنا في الوقت الراهن، والدفاع عنها بكل الوسائل من أضعف الإيمان إلى أقواه هو حالة وجودية من المنظور العقائدي، الذي كنا قبله أمواتاً فأحيانا، وهي على هذا النحو حديث الآخرة، ومن سعى لها سعيها وهو مؤمن، وحديث الدنيا أيضاً لمن أراد يُذكر أو يجعل لحياته معنى، وهي مدخل في هذا الوقت لنزع فتيل الفتنة وإخماد نارها.
وعلى خلفيّة ذلك كله، لن تمر الصفقة، ليس فقط لأن قسمة الأرض التي قبلنا بها ضمن الواقعية السياسية ضِيزى، ولكن لأننا نعرف أن ما وعدنا ربنا حقٌّ، كما هو موضح في سورة «الإسراء».. ما يعني أن هناك 3 أبعاد للقضية تحول دون إتمام الصفقة المزعومة، سواء أكان المكلفون بها من الإنس أو من الجن، أو من الاثنين معاً، أولها: البعد الإيماني، وما يترتب عليه من مصائر الدنيا والآخرة، وثانيها: البعد الوجداني الشعبي، وهو في كل مراحل التاريخ حاسم في إنهاء الصراع، والبعد الثالث: رجوح الكفة لصالح المسلمين اليوم، بعد أن تخطَّفتنا الأمم.. ما أروعك يا فلسطين يحاول سفهاء القوم والعالم أن تكوني مفرَّقة، ويأبى الله إلا أن يجعلك جامعة.