قطع الطريق على الدعم التركي
أعاد الجيش الوطني الليبي قصف مطار الكلية الجوية في مدينة مصراتة، الثلاثاء، واستهدفت ضربات السلاح الجوي وسائط دفاع جوي وطائرة إمداد عسكرية تركية ضخمة تحمل ذخائر وطائرات مسيّرة وصواريخ متعددة الأغراض، في محاولة للتعجيل بالحسم.
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة في بيان لها عن تدمير طائرة شحن من طراز “إل يوشن 76” فور هبوطها في قاعدة مصراتة “200 كلم إلى الشرق من طرابلس” قادمة من أنقرة وعلى متنها شحنة أسلحة وصواريخ موجهة يستخدمها سلاح الجو التركي المسير انطلاقا من القاعدة.
وبعد الهجوم تمّ سماع أصوات انفجارات متتالية بالكلية الجوية في مصراتة مع ارتفاع أعمدة النيران والدخان فيها.
وقالت مصادر ليبية مطلعة إن القوات الليبية بدأت تتعامل مع مطار مصراتة كهدف إستراتيجي، لأنه تحول إلى مقر أساسي لتلقي وسائل مختلفة من الدعم التركي، بمساندة قطرية، ويمثل تدميره نقطة مهمة في شل قدرة الكتائب المسلحة.
وأصبحت مصراتة عقبة كبيرة أمام التخلص من الميليشيات، حتى لو تمكن الجيش الليبي من دخول طرابلس وامتلاك زمام الأمور فيها، لأنها تمتلك قدرات تسليحية مؤثرة يمكن أن تغير موازين القوى، ولذلك تأخرت عملية مواجهتها، لكن بعد تصاعد دور الطيران الذي ينطلق من مطار الكلية الجوية فيها كان من الضروري حسم الترددّ السابق.
وقال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، إن القوات الجوية استهدفت ثلاثة مواقع حيوية، بينها طائرة شحن قادمة من أنقرة كانت تستعد لإفراغ شحنات أسلحة، تتضمن ذخائر وصواريخ متعددة الأغراض، وطائرات مسيرة لصالح الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق.
وكشف المحجوب في تصريح لـ”العرب” أن الهدفين الآخرين اللذين دمرتهما القوات الجوية، كانا عبارة عن محطتي رادار (بي 12) و(بي 14) تعملان في نطاق الكلية الجوية، وأن الضربات كانت دقيقة جدا، وتعد رسالة قوية لتركيا وقطر وأي جهة أخرى توجه الدعم للميليشيات تحت غطاء حكومة الوفاق.
وعلى مدار خمسة أيام تحلق مقاتلات سلاح الجو الليبي في سماء مصراتة في أعقاب إقلاع طائرة حربية من مطار الكلية الجوية تابعة لقوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، استهدفت طائرة مدنية في منطقة الجفرة (جنوب غرب ليبيا) الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، وكان على متنها مواطنون في طريقهم إلى أداء فريضة الحج.
وتعج مدينة مصراتة الساحلية بعدد من الميليشيات والكتائب العقائدية التي تعمل لصالح تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا، وتأتمر بأوامر المتطرف الصادق الغرياني المقيم في إسطنبول.
وتشارك مصراتة في معارك طرابلس بعدة ميليشيات، منها الصمود التي يقودها صلاح بادي المصنف على قوائم الإرهاب الدولية، وكتيبة الحلبوص بقيادة المتشدد عبدالسلام الروبي، والقوة الثالثة لمحمـد الفلاو، وميليشيا 166 لمحمـد عمر الحصان، وميليشيا الطاجين لمختار جحاوي، والمتحركة لمحمد سالم دمونة، وميليشيا شريخان وقائدها محمـد بعيو.
ولفتت مصادر عسكرية ليبية إلى أن المدينة تؤوي عناصر وقيادات من تنظيمي “شورى درنة” و”شورى بنغازي” الهاربين من معارك الجيش الوطني الليبي في الشرق، فضلا عن استقدام قيادات تكفيرية من العراق وسوريا ومصر، عبر المطار والميناء البحري، للقتال ضد الجيش الليبي.
وكشف تقرير سابق للأمم المتحدة، صدر العام الماضي، أن مطار الكلية الجوية استقبل عددا كبيرا من المرتزقة الأجانب لتنفيذ ضربات جوية ضد قوات الجيش ومدنيين مؤيدين له.
وأشار راقي المسماري، الخبير الليبي في القانون الدولي، إلى أن التأثيرات العسكرية والسياسية للضربات على مطار مصراتة كبيرة جدا، وسوف تلقي بظلالها على المشهد العام، ومستقبل الصراع، لأنها موجعة للميليشيات والجهات الممولة لها.
وأوضح المسماري في تصريح لـ”العرب” أن الضربات ستكون لها تأثيرات سياسية مهمة، لأن قطاعا من الليبيين كانوا يعتقدون أن الكلية الجوية “مكان محصن، وعليه خطوط حمراء دولية توحي بصعوبة استهدافه لوجود سرية طبية عسكرية إيطالية فيه، وخبراء أتراك يحاولون مساعدة الميليشيات في مواجهة الجيش الوطني الليبي، من خلال تقديم دعم خططي وتكتيكي واستخدام الطيران المسيّر لصالح حكومة الوفاق المتعاونة مع متطرفين وكتائب مسلحة”.
واعتبرت مصادر ميدانية أن الغارات الجوية لها أهمية محلية كبيرة تكمن في فضح الثقة المزعومة التي بثتها جماعة الإخوان في نفوس أهالي مصراتة، بأن طيران الجيش الليبي لن يتمكن من استهداف أماكن عسكرية وحيوية في مدينتهم.
وأوهم التنظيم الناس هناك بأنه جاء بمنظومة دفاع جوي متطورة وقادرة على إسقاط أي طائرة تحاول الإغارة على المدينة، مشددا على أن ما يقوم به الجيش الوطني “كفيل بزعزعة الثقة في المتطرفين والقوى الداعمة لهم، مثل تركيا وقطر”.
ولفت راقي المسماري إلى أن هذه الغارات قد تكون لها تداعيات كبيرة على المواقف الدولية، حيث ستنظر إلى القوات المسلحة الليبية على أن لها اليد الطولى القادرة على ضرب جميع الأهداف التي تراها معادية في كل بقعة في ليبيا، ما يؤدي إلى زيادة الثقة في المؤسسة العسكرية والمشير خليفة حفتر، بغية حسم السيطرة على طرابلس سريعا.
وبات من الواضح أن خروج الجيش الليبي عن التحفظ تجاه استهداف مصراتة سيدفع إلى مراجعات في المواقف الخارجية من تطورات المشهد عسكريا وسياسيا، وأولى علامات التغير جاءت من المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، الذي لم يتردد خلال إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن في الإقرار بوجود متطرفين يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق ويتهم الأخيرة بتعريض المسافرين للخطر في مطار معيتيقة من خلال استعماله لأغراض عسكرية.
وربطت بعض المصادر بين تصريحات سلامة بخصوص علاقة حكومة السراج بالميليشيات، وبالزيارة التي قام بها إلى أنقرة، الأحد الماضي، ولم تستبعد أن يكون قد تناقش خلال لقائه مع جاويش مولود أوغلو وزير خارجية تركيا وقف دعم أنقرة للكتائب المسلحة.
وقالت مصادر سياسية ليبية لـ”العرب”، إن سلامة بدأ يشعر بالقلق من علاقته مع السراج وانحيازه السابق للميليشيات، والذي أفقده الحيادية كمبعوث أممي، وأنه يعول على استجابة جميع الأطراف لمبادرته التي أطلقها أمام مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، ويريد الحصول على وعد من أنقرة بوقف دعمها العسكري.
وأعلن مجلس الأمن الدولي، الاثنين، دعمه التام لدعوة المبعوث الأممي للتوصل إلى هدنة بحلول العاشر من أغسطس، بمناسبة عيد الأضحى.