صورة “قلمية” لعملية سلفيت الفدائية

الثلاثاء 19 مارس 2019 3:21 م

الاسم: عمر ابو ليلى (19 عاما)، طويل وسيم من مواليد بلدة الزاوية التابعة لمدينة سلفيت قرب نابلس.
أسباب دخوله التاريخ: تنفيذه عملية فدائية عكست منسوبا للجرأة والشجاعة غير مسبوق، ارهبت الإسرائيليين، وهزت صورة جيشهم الذي لا يقهر، واجهزتهم الأمنية التي يتباهون بدقتها عالميا، وتتلخص هذه الرسالة في ذهابه الى مفترق مستوطنة ارئيل المزدحمة بالجنود والمستوطنين المسلحين، واقدامه دون أي تردد، على طعن جندي إسرائيلي بسكين “مطبخ”، وانتزاع بندقيته الرشاشة منه، والاستيلاء على سيارة هجرها صاحبها المستوطن رعبا وفر هاربا (أي المستوطن) مثل العشرات من اقرانه، واطلاق النار من نافذتها وقتل جندي آخر، واصابة العديد من المستوطنين اثنين منهم في غرفة العناية المركزة بسبب خطورة وضعهم.
هذا الشاب، وفي مثل هذا السن، لا يضيع وقته في العاب الكمبيوتر، ولا متابعة آخر الموضات والاغاني العربية والغربية، وانما في التخطيط والثأر والانتقام والشهادة، وهناك مئات الآلاف من الشباب الفلسطينيين والعرب والمسلمين مثله، اخفاهم زبد الحكام واعلامهم.
سلطة الاحتلال الإسرائيلي أرسلت مئات الجنود، واطلقت العديد من الطائرات المسيرة (بدون طيار)، واقتحمت عشرات المنازل، واعتقلت اكثر من 20 شخصا بحثا عن أي معلومات عن الشاب الذي دخل قائمة الابطال في نظر مئات الملايين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ولكن دون أي نجاح حتى كتابة هذه السطور، وربما لعدة اشهر قادمة، ان لم يكن اكثر.

الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية تعيش حالة من الصدمة، ويجرون تحقيقات مكثفة لمعرفة كيفية وصول هذا الشاب الى هدفه وتنفيذ عمليته بكل ثقة وشجاعة، وهروب الجنود والمستوطنين مثل الارانب المذعورة من المكان، ونجاحه في مغادرة مسرح العملية سالما.
الخبراء الإسرائيليون العسكريون الذين ظهروا على شاشات التلفزة اعترفوا صراحة لهذا الفدائي الشاب بأنه نفذ عملية هجوم نوعية، واظهر رباطة جأش ودقة في التنفيذ، ودرجة عالية من الرجولة والجرأة، وكل هذا يشكل فألا سيئا للإسرائيليين حسب رأيهم، لأنه سيتحول الى قدوة، وسيصبح مثلا ونموذجا وايقونة للشباب من امثاله.
السؤال الذي يطرحه هؤلاء الخبراء وربما “اصدقاؤهم” في قوات الامن الفلسطينية هو عما اذا كان هذا الفدائي الشاب منفردا، ام انه عضو في منظمة فدائية، والاهم من ذلك ما هي عقيدته الأيديولوجية اذا كان مؤدلجا؟
عندما تغلق السلطات الإسرائيلية باب الرحمة في المسجد الأقصى، وتؤيد المحكمة الإسرائيلية العليا هذا الاغلاق، وعندما تخصم الحكومة الإسرائيلية حوالي نصف مليار دولار من أموال الضرائب العائدة للفلسطينيين في محاولة لتجويعهم، وعندما تمنع وصول 15 مليون دولار كدفعة لتسديد ربع رواتب موظفي سلطة “حماس” في قطاع غزة، وعندما يأكل أبناء القطاع الخبز الحاف، هذا ان وجدوه، وتتواطأ مع الاحتلال كل الحكومات العربية، فلماذا لا يكون هناك الآلاف من أمثال الشاب عمر ابو ليلى؟ فليس بعد الشهادة شهادة.
عملية سلفيت الفدائية هذه هي قمة جبل الثلج لحالة الاحتقان والغليان في الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع وهضبة الجولان وجنوب لبنان، وجرس انذار أولي للانفجار القادم والوشيك الذي سيغير جميع المعادلات في المنطقة، ويتصدى لعمليات الاذلال والمهانة، ويؤكد ان عمليات التهميش للقضية الفلسطينية اوشكت على الانهيار، وان الشعب العربي الفلسطيني لن يرفع رايات الاستسلام البيضاء، مثلما توهم أصدقاء نتنياهو وزملاؤه في حلف الناتو العربي.
القضية الفلسطينية المركزية العربية والإسلامية، بدأت تستعيد وهجها مجددا وبقوة، ورجالها بدأوا يردون عمليا على المطبعين العرب الذين اعتقدوا انها ماتت، بل شبعت موتا، وفتحوا قلوبهم وبلادهم للاسرائيليين لاعبين كانوا او مسؤولين.

قبل عملية سلفيت بأيام معدودة، نزل اكثر من مليون إسرائيلي الى ملاجئ، بعد انطلاق صفارات الإنذار اثر رصد اقتراب صاروخين انطلقا من قطاع غزة ووصلا الى تل ابيب، ولولا هرولة نتنياهو الى حلفائه في القاهرة، استعجالا للتهدئة لتضاعف العدد عشرات، وربما مئات المرات، حيث فشلت القبب الحديدية في حماية أهلها، وباتت من الماضي.
فصائل المقاومة في القطاع استأنفت اطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة، كمقدمة وتمهيد لعودة اطلاق الصواريخ، بعد ان طفح كيل مليونين من سكانه (القطاع) من شدة الحصار العربي والإسرائيلي، وجميع المفاجآت واردة، فلم يبق لهذا الشعب ما يخسره.
قبل ان نختم هذه المقالة، نؤكد على امر مهم جدا، وهو ان الشاب عمر ابو ليلى الشهيد الحي، ما زال يحتفظ بالبندقية التي اسرها من الجندي القتيل، وما زال أيضا حرا طليقا، واختار الشهادة، ولذلك سيواصل مقاومته للاحتلال حتى آخر رصاصة في جعبة بندقيته، وحتى آخر نقطة من دمه.
فلسطين تنتفض، والسونامي الفلسطيني الكاسح الذي سيجرف كل العفن الحالي قادم لا محالة.. والأيام بيننا.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر