إن فاكهة النقاش هي بمثابة اللقمة التي تزيد النقاش حلاوة و لذة أثناء الدردشة سواء أكان هذا النقاش يتمحور حول ما يفيد المخاطب بالنصيحة أو ما يتطرق إلى ذكر صاحبه بالخصال الحميدة و المدح أو بالذم و النميمة و في هذه الحالة يعتبر غيبة وإثم. هذا السلوك في الصورة الأخيرة أو النمط الاجتماعي المتداول في المجتمعات بدون ضوابط في الغالب، خاصة ما يكون في المجتمع المنقوص من التعاليم الدينية بالنسبة للأمة الإسلامية أو التي تم إدراجه فيها عن قصد، و بالجهل بالنسبة للمجتمعات الأخرى. فتترتب حسنات و سيئات على المسلم و يحاسب عليها أما غير المسلم فيعتبر تخلف و جهل.
عادة يأخذنا الكلام و يزداد حلاوة من خلال المناقشة و نتطرق الى مواضيع نذكر أثناها اشخاص لهم علاقة بتلك الموضوعات و نبدأ في اعطاء آرائنا في التحليل من جانبه الإيجابي والسلبي فندخل في مجال العتاب وهو التكلُّم عن الغير في غيابه بسوءٍ، أو بما يغضبُّه لو سمعه، حتى وإن كان الشَّيء موجوداً فيه، فإن كان صدقاً فيُسمَّى بالغيبة وإن كان كذباً وليس فيه فهو البُهتان المبين كما جاء في ديننا الحنيف، و لا نشعر حتى تصبح فاكهة و حلاوة مناقشتنا هي الغيبة بامتياز و لا نشعر تماما لأن في هذه الحالة نكون تحت تأثير عزة النفس و الشيطان لعنه الله و الهوى و يخلو من كلامنا الاستغفار و التعوذ من إبليس الملعون.
هذا الإفك المفترى الذي أصاب كل المجتمعات، وأُدْمِنَت عليه عن طريق القيل و القال (اللغو) بمعية وسائل الإعلام المختلفة و غير الشرعية و المسمومة، استفحلت هذه الظاهرة و أصبحت هي مأدبة الشارع المفضلة. والغريب أنك تجدها في الأوساط المسلمة و هي تعرف أنها غيبة و مأثوم صاحبها و تتذكر عقابها و التحذير منها في خُطب يوم الجمعة و في المنابر و في الحلقات الدينية و غيرها. لكن مفعولها تعدى كل مرشد و مذكر. و سيطر على العقول بغض النظر عن الأمم الأخرى التي اتخذتها من السياسة لتحطيم الشعوب المتخلفة و بالخصوص المسلمة لتشويش دينها الحنيف.
لماذا نتمادى في هذه الفاكهة المسمومة و نستأنس لذتها و نحن نعرف أن حسابها وخيم حتى نصل إلى أكل لحم بعض البعض عيانا؟ هل وصلنا إلى عدم الشعور و عدم السيطرة في سلوكنا و عملنا ؟ أم هي ناتجة عن ازدحام الأخبار و المعلومات على العقل البشري حتى أصبح يقترب من الآلة المبرمجة والمدبرة ؟ أم هي غريزة ؟ هل هناك أمر ما مدبر في هذا السياق من بني البشر في زرع حبوب عن طريق الأكل أو غيره للبشرية ؟ أم هو القدر المحتوم نتيجة الابتعاد عن السبيل الإلهي؟
لا يخفى على أحد حتى على غير المسلم أن الخوض في نقاش يؤدي الى الشتم و الذم و المدح الغير حقيق و الإشهار المزيف ، هو سلوك غير أخلاقي من بني البشر عامة. فكل ما يقال في هذا الشأن فهو محسوب على صاحبه و لهذا حبذا لو نتفاداه بقدر الاستطاعة في مناقشتنا و إعلامنا و توجهنا التعليمي إلى آخره... حتى لا نثقل أكثر من الفاحشة في المثقال الذي لا مفر منه.