يمكن القول عن العقيدة أو التعريف في هذا المنظور هو ما ينعَقِدُ عليه قلبُ المرء ويجزمُ به ويتَّخذه منهاجا بحيث لا يتطرَّق إليه الشكُّ ، فهي حُكم الذهن الجازم أو ما ينعَقِدُ عليه الضمير بالإيمان الجازم الذي يترتَّب عليه القَصد والقول والعمل . فعقيدة الجاهل هي ما تظهر من خلال سلوك و تصرف يخالف المعاملة المقبولة من العامة و يكون هذا السلوك الخارج عن المنطق أو عمل عشوائي ارتجالي يظهر بفهم صاحبه على أنه صواب و هو في حقيقة الأمر غير متماشي مع ما هو مألوف في المجتمع و التمادي فيه في كل مرة. فيصبح كارثة دائمة وضارة لكل عمل و معاملة و تبقى ملازمته حتى يزول صاحبها لأنها عقيدة تَرَسخَتْ و تَجَذَرَتْ في أعماق أعماق إيمانه فلا يمكن بالسهولة التخلي عنها أبدا. و لهذا أهل الدراية و العلم و البصيرة صنفوها بقولهم أنها بمثابة العُقْدَة التي تم ربطها بإحكام على غير صواب في شريان القلب.
وإذا فُرَضَتْ على صاحب هذه الصفة، قوة المنطق بالدلائل و البيان و البرهان الذي لا ريب فيه أثناء النقاش و المعاملة ففي هذه الحالة يضل طول حياته حامل مبادئه و لا يتخلى عنها أبدا وهو مخذول منحط معزول لا يقبل المناقشة المفتوحة بما يعتقد به و يبقى مدافعا عنها بكل الوسائل و المناسبات و لو يرى كل الناس تخالفه الرأي و إذا تمكن من الفرصة و أمتلك كل الوسائل طبقها بكل قواه و لا يبالي.
إذا كانت مرتبطة بالمجال الديني
لو نسأل ما هي مهمة البشر ولماذا ارسل الرسل ؟ طبعا لكي يصححوا الأخطاء المرتكبة من طرف البشرية ويعلموها كيف تستعمل المنهاج المسطر في المدة الزمنية التي يكون فيها في هذا الكون. لكن هذا الإنسان بقدرته البشرية و العقلية المحدودة و ما سخر له الله أو ما أتتهم الطبيعة كما ترون البعض من الموجودات في الأرض، يرى أنه هو مالكها بقوته و رأيه و يعتقد أنه على صواب. و ليس هو إلا خليفة أو مُوكل لمدة معينة و هي وُضِعَت في خدمة كل البشر سواء. من هذا المنظور السائد تَرَتَبتْ و زُرعتْ حسب الظروف و القناعات عبر مناهج من ورائها أهداف مغرورة و مملوءة بالكبرياء مثل العقيدة الماسونية أو غيرها عبر العصور.
إذا كانت مرتبطة بالمجال السياسي
السياسة هي فن التسيير بالتي هي أحسن. فمِنْ خلال منطق القوة و الاعتقاد بها يولد التجبر و الهيمنة و إتباع منهاج مالك القوة على الضعيف حتى يعتقد أنه يسود على كل شيء و يفرض نفسه على كل شيء، فتسوقه افكاره بما يملك من الوسائل حتى أنه يستطيع تغير سلوك حياة البشر المألوفة و ما هو مسطر في الطبيعة و يسمو إلى درجة التغيير في نمط الطبيعة نفسها حتى وصل إلى درجة الربوبية في تملك البشر والأرض و هو لا يدري أنه يحارب ما يفوق درجته العقلية و العلمية و المادية ولا يعتقد أنه تجاوز الخط الأحمر. فمن هذه المرحلة يبدأ هلاكه و فناؤه و كمثال نهاية فرعون – و النمرود – هتلر – و غيرهم و ما نراه في الوضع الحالي من العوامل المسببة لانهيار ما خططه دول الغرب على باقي العالم. فالسياسة المبنية على المادة كليا تؤدي مع مرور الزمن إلى غرور القوة حتى الفناء. أما السياسة التي تتبنى التسيير الذي لا يتعدى مقدار منطق الطبيعة و السلم و المساواة في المعمورة تتألف مع المنطق المشروع و يكون أمدها طويلا.
إذا كانت مرتبطة بالمجال العلمي
إذا أُلْهِمَ الإنسانُ ببصيرة يرى من خلالها أنه موجود في الأرض لأجل مسمى. و كل ما حوله جاء قبله و مسخر بكامله له لاستعماله في حدود المنطق، فيومئذ يدرك أن عقله محدود المقدار في فلك لا يتجاوزه و إلا يهلك، فتتجلى له قدرة الخالق أو الطبيعة كما يعتقد بعض الجاهلين. فإذا أعتقد أن عقله و تدبيره يجعله يملك كل ما يريده غرته نفسه و أهلكته و ضل و حاد عن الصواب. فالبعض يرون في وقتنا أن كل الأبحاث و الاجتهادات هي صحيحة و فائدة للإنسانية و لو تأملوا قليلا لأدركوا واقتنعوا أنهم مخطئون. مثلا : هل هم يبقوا يقظين بدون نوم أو في تفكير طويلا أو العمل أو التكلم و النظر و الأكل و غير ذلك؟ إذا ما كانت راحة وافية لعقلهم هلكوا. فمن المفروض أن يستسلم لما هو فوق المقدار المسطر له و لا يتبعوا عقيدة اهواهم. فالتطور العظيم للبشرية اليوم الذي وصلت إليه بالتقدم (مثال التكنولوجية النووية) فأِن استعملته تهلك نفسها بنفسها.
إذا كانت مرتبطة بالمجال التسييري و الاقتصادي
فأنانية حب المال وتملك الأكثر والتوفير على حساب الغير من معيشة الإنسان و خاصة نهبها منه بدون حق و الاعتقاد بنظرية الافضلية عليه يولد من الطبقية و عدم المساواة. فتقلُ الحكمة أو تفقدُ تماما و في النهاية تبعده عن الضمير الحي، فصاحب هذا المنهاج لا يدري كيف و أين تأتي النهاية و لا يتنبه لما هو مسطر في الطبيعة فتصدمه من حين الى أخر بواسطة ظواهر تفوت علمه و تفكيره المجنون. عكس الذي يعتقد أن ما يملكه غيره ليس للنهب المباشر بل تكون المعاملة التجارية معه على الأقل بنوع من المنطق. حتى من خلال ما مضى أو الحاليا و حتى المستقبليا لم يكن النظام الاقتصادي مثالي للبشرية و محتوم عليه الزوال إلا نظام الكون المبرمج من طرف الخالق.
إذا كانت مرتبطة بالمجال الثقافي
إذا انطلقنا مِنْ أن الثقافة هي مجموعة المعرفة المكتسبة بمرور الوقت. فالإنسان يتشبع و يتزود بمعلومات من هنا و هناك فيحول هذا الزاد الى مناهج ويعتقد أنها هي الرؤية المميزة التي يعبر منها. فإذا كان زاده يميل الى الجمال و الإبداع الذي يجلب الوجدان و العاطفة فيسبح به في عالم الخيال و يجري من وراءه كل مَنْ يهوى و يعشق هذا العالم و هم كثيرون و تُسَول له نفسه أنها عقيدة صائبة ما دامت شهرته تزداد من خلال عمله. أما من ألْجمه عقله و وضع حدودا لنفسه فيكون كل ما يبرزه نابع من معلومات خالية من التشويش لتكون فائدة يستعملها عامة البشر.
إذا كانت مرتبطة بالجانب الاجتماعي
فما قدمته التكنولوجية الحديثة و العولمة في عصرنا لراحة الإنسان و رفاهيته باعتقاد سعادته و تحقيق كل ما يحتاجه. جردته في نفس الوقت من طبيعته الإنسانية و أبعدته عن علاقته المألوفة وفقدان شعوره مع بني جلدته و أصبح سلوكه و معاملته في المجتمع الذي هو كيانه يفقد طعمه شيئا فشيئا و يذهب الى عالم الآلة المبرمجة على تخطيط مادي و هذا ما نراه يوميا و نلمسه في حياتنا اليومية. إذن ما هي النتيجة التي وصل إليها المعتقدون في هذا النمط من فرض هذا التسيير على البشرية ؟ ألم يتذكروا أن بني الإنسان هو مجموعة أحاسيس و مشاعر و علاقات إنسانية حميمية تفوق الآلة.
و لذلك عليهم أن يقتنعوا في أخر المطاف بترتيب المادة في الصف الثاني و يبقى الجانب الاجتماعي هو جوهر الحياة الإنسانية وأن يدركوا باليقين أنه مرتبط بأخيه و أن بدون التشاور لا يستمر وجوده في الكون.